سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي -أسس وقضايا-

سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي

-أسس وقضايا-


المصدر الأصلي للمقالة:

الصادقي العماري الصديق، سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي  -أسس وقضايا-، مجلة وادي درعة، العدد 35، مطبعة شمس برنت، سلا، المملكة المغربية، 2019، ص ص 35-69.

مقدمة

الفن السنيمائي في بداياته الأولى بدأ تسجيليا، حيث كان طموحه هو التقاط مشاهد من واقع الناس، وعرضها عبر صور متحركة في شكل أفلام قصيرة في مدة زمانية لا تتجاوز دقائق معدودة، وكان راهنه هو تحقيق المتعة الفنية، أكثر منه توثيق الحدث، لكن التطور المطرد الذي عرفته السينما، بفضل التقدم التكنولوجي، فتح آفاقا رحبة أمام رواد هذا الوافد الجديد، الذي تحول بفضل تعميق البحث المتخصص في مجال الصورة المتحركة، لبناء صناعة فنية لها منطلقاتها النظرية وتصوراتها المنهجية ومدارسها الفنية.

في هذا السياق، عرف الفيلم الوثائقي طفرات نوعية، بوأته مكان الصدارة ضمن اهتمامات المتتبعين للشأن السنيمائي من النقاد والمبدعين، استطاع أن ينفك من أسر التبعية لباقي الأجناس الفيلمية، ليصير مجالا بحثيا استقطب اهتمام العديد من النقاد والباحثين الذين قاربوا مواضيعه من زوايا نظر متباينة، إذ تعددت الرؤى والاتجاهات من داخله ليتفرع عنه العديد من الأجناس الفيلمية من قبيل الفيلم الوثائقي الثقافي والتخيلي... والفيلم الوثائقي الواقعي الذي حاول أن يصور ويظهر الأحداث والمواقف في واقعيتها كما تحدث في الواقع، من خلال تاريخ وحاضر الناس وحتى أفق طموحاتهم من أجل حياة أفضل، بعيدا عن خيال الفنان و أحاسيسه ومشاعره، وبالتالي يسعى الفيلم الوثائقي الواقعي في طموحاته إلى توخي الموضوعية ولو بشكل نسبي.


 الواقعية في السينما غالبا ما تحمل غموضا والتباسا، وهو الأمر نفسه داخل عالم الفن وخارجه على السواء، حيث يختلف معنى الكلمة...تبعا للنشاط الإنساني الذي تأتي في سياقه. وتعود الصعوبة في السينما إلى أن معظم الأفلام تحتوي على رسائل ووظائف متعددة، مما يخلق مستويات عديدة لتذوقها وتفسيرها. فالفيلم يمكن أن يكون واقعيا لأنه يشير إلى أشياء مادية ذات وجود واقعي، كما يمكن في الوقت نفسه أن يكون فيلما ذاتيا لأنه يعبر على نحو أو آخر عن رؤية فنية تجاه الواقع خاصة بصانعيه، لكنه قد يكون أيضا فيلما دعائيا على نحو ما، لأنه لابد أن يدعو إلى وجهة نظر محددة، وهو في النهاية ذو طابع جمالي لأن له شكلا خاصا ومميزا.

 الفيلم الوثائقي قادر على أن يكون واقعيا، لأنه يستطيع أن يسجل صورة الواقع، ويقدمه بأمانة إلى المتلقي، وهو قادر أيضا على ألا يكون واقعيا، لأنه يستطيع أن يتلاعب بصورة ومضمون الواقع الحقيقي ويغير فيه، حتى إنه قد يخلق واقعا جديدا. و يمكن له أن يكون واقعيا بقدرته على محاكاة الإدراك الواقعي في البعدين المكاني والزماني، كما يمكن له ألا يكون واقعيا لأنه يصدم ذلك الإدراك ويتصادم معه. و يستطيع أن تشير إلى الواقع بقوة وعمق، إلا أنه يستطيع أيضا أن يهدف إلى الهروب منه. وفي النهاية، الفيلم الوثائقي الواقعي قادر على أن يأخذ شكلا واقعيا، وقد يكون قادر على التعبير المكثف عن الواقع من خلال أساليب وأشكال غير واقعية على الإطلاق. ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا أمام مجموعة من الأسئلة التي أراها جوهرية من قبيل: ما المقصود بالواقعية في الفن؟ وما هي البوادر الأولى لتأسيس الفيلم الواقعي وامتداداته؟ وما هي منطلقات الفيلم الوثائقي الواقعي؟ وما هي أهم التجارب التي طبعت الفيلم الوثائقي الواقعي العالمي؟


1-معاني الواقعية في الإبداع و الفن

1-1-مفهوم الواقعية

إذا كان أرسطو يعد منظر الآداب اليونانية، وبوالو منظر الآداب الكلاسيكية، فإن منظر الواقعية هو دون منازع الأديب الناقد الفرنسي شانفلوري الذي أقر هذا المصطلح، وبلور هذا المذهب  وقد عاب هذا الأديب على الروائيين السابقين جنوحهم وميلهم إلى الخيال المفرط، والخطابية والمبالغة الغنائية على طريقة جورج ساند.  يقول فيليب فان تيغم: "لم تجد الواقعية اسمها ومذهبها إلا مع شانفلوري الذي تعود كتاباته الأولى إلى سنة .1843 إن شانفلوري يرفض جميع الأشكال المعاصرة للأدب الخيالي، ما عدا روايات بالزاك. وفي سنة 1852 وضع مبادئه بطريقة أكثر إيجابية. فعلى الروائي، قبل كل شيء، أن يدرس مظهر الأشخاص، ويسألهم ويمحص أجوبتهم، ويدرس مساكنهم، ويستجوب الجيران، ثم يدون حججه واضعا حدا لتدخل الكاتب إلى أقصى درجة ممكنة فيكون المثال الأعلى نوعا من اختزال مقاصد الأشخاص، وسلسلة من الصور لمظاهرهم المتنوعة. إن الملاحظة الدقيقة هي عمل الروائيين الأساس. فلقد زال الهوى والوهم. إن الواقعية تهدف إلى أن تصبح التعبير عن التفاهة اليومية"[2].

وبهذا المعنى، تحرص الواقعية على الارتباط بالواقع وتسجيل خباياه وأسراره، وهي بخلاف الرومانسية التي قامت على فكرة أن الأديب لا يحاكي العالم وإنما يخلقه من العدم ويبعث فيه الحياة، تقول بمحاكاة الحياة ورصد شتى المظاهر الاجتماعية، ولكن هذه المحاكاة ليست تسجيلا فوتغرافيا ولا نقلا آليا لزخم الحياة بإيجابياته وسلبياته، بل هي عملية ابتداع للواقع وصياغته صياغة واعية تقوم على المتخيل والتصوير والتشكيل والنمذجة. إن الكتابة الواقعية عملية إبداعية تستند إلى الواقع وتستوعبه وتتمثله، ثم تصبه في معمارية فنية تقوم على التماسك والانسجام والتآلف الجدلي.

عزف الواقعيون عن التعقيد وعن الزخرفة اللفظية المعروفة لدى الكلاسيكيين وعن لغة الطبقات الأرستقراطية وتبنوا لغة الشرائح الاجتماعية الشعبية في كتاباتهم، بعيدا عن كل تملق طبقي وعن كل روح غرائبية. وقد ورد في موسوعة المصطلح الأدبي ما يلي: كان الواقعيون يناهضون التعقيد والوعي، لذلك غدت البساطة والإخلاص في نظرهم من المعايير ذات القيمة، أي من شروط الواقعية، في الإنتاج الفني، (..) كما قال شنفلوري إن الإخلاص هو القيمة الوحيدة التي يريدها في الفن، ثم أعرب عن رغبته في الشعر الشعبي، بما فيه من قواف غليظة ومشاعر طبيعية (..). يفسر دورانتي المنهاج الواقعي بشكل مشابه تماما: "تلزم الواقعية نفسها بتمثيل الوسط الاجتماعي والعالم المعاصر بشكل دقيق كامل مخلص... لذلك يجب أن يكون هذا التمثيل يسيرا قدر الإمكان ليقدر كل امرئ على فهمه"[3.

ومن أجل ذلك يعالج الفنان المضمون الحياتي المتناول، على ضوء مثله الأعلى الذي يعني مادة الواقع كما هي عليه بعد مرورها عبر فانتازيا الشاعر وإضاءتها بشعاع المعنى العام[4]، فيتداخل الخيال الفني بالحقيقة الحسية تداخلا عضويا لا يميز القارئ بينهما، فيقرأ ويسمع شريحة صادقة من الحياة، يهتز لحرارة صدقها ويتأثر لكل ملمح معبر دالا سلبا أو إيجابيا، وتلك واحدة من أهم سمات الأدب الواقعي.‏

üالواقعية النقدية

يعد الروائي الفرنسي بلزاك، أشهر ممثل للواقعية النقدية، ويرى لوكاتش أن بلزاك، رغم انتماءاته السياسية البورجوازية، ورغم تعاطفه مع الملكية، إلا أن كتاباته تعكس إيديولوجية تقدمية وتحررية ذلك، أنه يجب أن نفرق بين إيديولوجية الكاتب بوصفه مواطنا وإنسانا وإيديولوجية كتاباته التي لا تخضع إلا لمنطق الكتابة ونسيج الدلالات. والواقعية النقدية تقرر أن مهمة الفن والأدب تتمثل في نقد الحياة بمفهومها الواسع. والمتأمل في هذا الصنف من الإبداعات يلمس فيها التأكيد على الدلالة الاجتماعية بالمفهوم الإنساني الواسع للكلمة، وليس بالمفهوم العلمي لماركس، كما يلمس كذلك اهتماما كبيرا بالقيم الجمالية والفنية[5]. ومن هذا المنطلق، مع الواقعية النقدية، تتفجر أبنية العالم القديم، وتهتز أركان اليقينيات البورجوازية، فيتشكل لدى الإنسان وعي مأساوي بالحياة، تعبر عنه الرؤية من خلال البطل الإشكالي الممزق بين الحنين إلى فردوس القيم الأصيلة التي ولت إلى غير رجعة من جهة، والتطلع إلى تحقيق الذات الإنسانية في عالم يسوده الاغتراب والضياع والتواصل المستحيل من جهة أخرى، إنها صخرة سيزيف التي تسد الآفاق وتثبط العزائم والهمم.


ورغم تشاؤمية الواقعية النقدية فإن دورها التاريخي في تنمية التيار الحداثي التحرري، هو دور حاسم، وحتى منظرو الواقعية الاشتراكية يعترفون بفضائلها في دفع عجلة التاريخ نحو الأمام، فهذا مثلا أنجلز رفيق ماركس يعترف بعبقرية بلزاك وبقيمة الواقعية النقدية عندما يؤكد أن "الواقعية تعني في نظري- إلى جانب الأمانة في نقل التفاصيل- إعادة التصور الدقيق للخصائص النموذجية في الظروف النموذجية، وكلما كانت آراء المؤلف خفية، كان هذا من صالح العمل الفني، كما أن الواقعية التي أتحدث عنها يمكن أن تعبر عن نفسها أيضا، بالرغم من أفكار المؤلف الخاصة، فبلزاك مثلا، وأنا أعتبره أستاذ الواقعية الذي يفوق بمراحل كل ما قدمه زولا، قد أعطانا في الكوميديا البشرية تاريخا واقعيا ممتازا للمجتمع الفرنسي، وصف فيه بدقة بالغة الفترة ما بين1848-1816 ، عاما بعد عام تقريبا حيث قدم لنا لوحة تاريخية تعلمت من تفاصيلها الصغيرة مادة اقتصادية أعظم من كل ما قدمه المؤرخون ومحترفو الاحصائيات عن هذه الفترة"[6].

إن الواقعية ولدت وهي نقدية، لأن أوضاع المجتمع الصناعي الأوروبي في منتصف القرن التاسع عشر، كانت تحول دون تبلور فكر ثوري جماهيري مؤثر في الفنون والآداب، واكتفت الواقعية وقتها برصد التناقضات الاجتماعية والكشف عن خبايا الأزمات الكبرى التي كانت تعصف بأوروبا. وقد تحرى الأديب الواقعي النقدي الصدق في وصفه لحركة التطور الاجتماعي، ويعد هذا الموقف وقتها موقفا إيجابيا، لأنه رفض الصمت والانصياع للإيديولوجية البورجوازية وآثر تعرية الواقع ووصفه كما هو بكل موضوعية وبكل جرأة. ولكونه يفتقر إلى النضج السياسي، وإلى الوعي الإيديولوجي وإلى الرؤية الجدلية وإلى الشمولية، لأنه لم يستطع تفكيك الواقع وإعادة بنائه وفق نظرية ثورية بهدف تغييره وتحويله والقضاء عليه.

بفضل بلزاك تحررت الرواية من الخيال الجامح والذاتية المفرطة وكان يتصور أن رسالته هي شهادة على عصره وتوثيق له، إذ يعتقد أن المجتمع الفرنسي هو المؤرخ، وأما هو فليس إلا مجرد سكرتير له. وهذا يدعم مقولة تان من أن أعمال بلزاك تتضمن أعظم قدر من الوثائق التي توفرت لنا عن الطبيعة البشرية، ويصدق عليه ما أراده لنفسه من أن يكون دكتور في الطب الاجتماعي.[7] واشتهر بلزاك بالصدق في التصوير والتحليل والرؤية، لأن الصدق كان هدفه الأساس في كل إبداعاته، حتى ولو تناقض هذا الواقع الذي يكتب عنه مع آرائه ورغباته الشخصية. وخير دليل على ذلك روايته الشهيرة "الفلاحون" حيث صور مأساة صغار الفلاحين الذين أصابتهم ويلات الرأسمالية في الصميم. وقد أدرك بلزاك بفضل حدسه التاريخي وروحه الاستشرافية أن دوام الحال من المحال، وأن الرأسمالية عرضة في المستقبل لعواصف قوية قد تأتي على الأخضر واليابس، ومن ثم كانت أعماله العظيمة بمثابة قصيدة "رثاء" يرثى فيها السقوط الحتمي للرأسمالي.

 

وقد ترك لنا بلزاك موسوعة في الأدب الواقعي تشمل ما يقارب مئة وخمسين قصة أطلق على مجموعها في آخر حياته اسم "الكوميديا البشرية" وقسمها إلى مجموعات هي:[8]

-1 مناظر من الحياة الخاصة. 

-2 مناظر من حياة الإقليم.

-3 مناظر من الحياة الباريسية.

-4 مناظر من الحياة السياسية.

-5 مناظر من الحياة الحربية.

-6 مناظر من حياة الريف.

إن الواقعية النقدية، ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت لها، خاصة من أنصار الواقعية الاشتراكية وأنصار الواقعية الجديدة، لا تزال مصدر إلهام بالنسبة لكثير من المبدعين في العالم.

üالواقعية الطبيعية

نشأت الواقعية الطبيعية في نهاية القرن التاسع عشر على يد ”إيميل زولا“، ولم تحدد ملامحها إلا في القرن العشرين، وقد تأثرت بالنظريات العلمية ودعت إلى تطبيقها في مجال العمل الأدبي، والإنسان في نظرها كائن تسيره غرائزه، وكل شيء فيه يمكن تحليله، فحياته الشعورية والفكرية والجسمية ترجع إلى إفرازات غددية.

يعد ”إيميل زولا“ رائد الواقعية الطبيعية في الغرب، وإليه يعود الفضل في بلورة مفهومها وحقيقتها من خلال كتاباته التنظيرية العديدة التي نشرها على امتداد سنوات طوال، وقد بدأ بنشرها سنة1866 ، حين كان على اتصال بالجمعية العلمية في مدينة إيكس لاشابال، وتوجت هذه الكتابات بكتابي"الحملة" و"الرواية التجريبية" اللذين نشرهما سنة 1988.

وقد هاجم إيميل زولا الرومنسيين وانتقد إيغالهم في البلاغة والفضيلة والخيال وتقديس الفرد وأسطرة "الخلق الأدبي"، والعزوف عن مادية الواقع. ففي كتابه "رسالة إلى الشباب" يتحامل على فيكتور هيغو وعلى الرومانسيين بصفة عامة، ويرى أنه الوريث الشرعي لتيار عقلاني علمي تبلور مع دنيس ديدرو، رجل عصر التنوير وأب "الموسوعة"، في مواجهة التيار الآخر الذي يمثله جون جاك روسو والذي ألهم كبار الرومنسيين الفرنسيين من أمثال هيغو، لامارتين شاتوبريان وجورج ساند، وهاجم زولا كذلك الخيال الجامح والغنائية المفرطة لدى الرومنسين، هذه الغنائية التي "تستثمر كل ما لديها في كلمات، تنتفخ الكلمات لتغطي الصورة بأكملها، وأخيرا تنهار تحت مبالغة مزخرفة للفكرة، إنها بناء لفظي قائم على لا شيء. هذه هي الرومانسية(…) . إن العلم يجعل المثالية تتراجع أمامه، العلم هو الذي يعد العدة للقرن العشرين (…) كفى غنائية، كفى كلمات كبيرة جوفاء، عليكم بالحقائق، بالوثائق (…) ثقوا بالحقائق وحدها، الحاجة الوحيدة الآن هي لقوة الحقيقة".[9]

انبهر زولا بانتصارات العقل وآمن بضرورة اعتماد المناهج العلمية الصارمة التي أعطت ثمارها في شتى مجالات المعرفة العلمية، وخاصة مناهج الملاحظة والتحليل والتجريب والتوثيق والمقارنة. كما يرى أنه مدين بصفة خاصة لعلم الوراثة، وعلم الأحياء، وعلم البيئة والطب التجريبي، ورأى زولا أن كتاب كلود برنار بعنوان "مدخل إلى الطب التجريبي" هو بمثابة إنجيل تيار الواقعية الطبيعية نظرا لما أودعه صاحبه في ثناياه من نظريات علمية ثورية. و يقول فيليب فان تيغيم في هذا الصدد: "لقد أثبت كلود برنار أن الطريقة العالمية الصارمة المطبقة على الأجسام الخام يجب أن تطبق على الأجسام الحية، ويجب كذلكبحسب زولا- أن تطبق هذه الطريقة على الحياة العاطفية والفكرية.إن غاية الطريقة التجريبية هي إيجاد العلاقات التي تربط ظاهرة ما بسببها القريبوإيجاد الشروط الضرورية لإبراز هذه الظاهرة".[10]

غير أنه يجب إضافة التجربة إلى الملاحظة، وهذا يعني وجوب تخيل حالة تسمح ببحث بعض العلاقات بين نظامين من الظواهر. أما بالنسبة للروائي فإن الطريقة التجريبية تقوم بتحريك الأشخاص في تاريخ خاص لتدل على أن تتابع الأحداث يكون كما تفرضه حتمية الظواهر المعروضة للدرس (…)تجربة حقيقية يجريها الروائي على الإنسان مستعينا بالملاحظة. [11]

 

لقد فتح زولا عهدا جديدا للواقعية كي تقوض عالم الرومانسية وتؤسس لكتابة أدبية تقوم على فكرة الصنعة والصياغة والإنتاجية بعيدا عن فكرة الخلق والإلهام والموهبة والإنشائية التي تغنى بها الرومنسيون. وهكذا حلت ثنائية الملاحظة/التجربة محل ثنائية الإلهام/الخيال، وتحول الأديب إلى صانع ومنتج، ينحت من الواقع عوالم أدبية حسية وواقعية، وأضحت الممارسة الإبداعية متجذرة في الواقع وشبيهة ،إلى حد كبير، بنشاط كل من الطبيب والقاضي والكاتب والمحضر داخل إطار مهامهم المادية الملموسة. كما غلب زولا الحتمية الاجتماعية على شطحات الفرد الموغلة في المثالية والطوباوية، وآمن بالعلم لقهر الطبيعة وتنمية قدرات الإنسان وتفتيق الموهبة وبعث إنسانية جديدة واعدة.

üالواقعية الاشتراكية 

هي المذهب الأدبي الملازم للماركسية، والمنحاز إلى الطبقة العاملة والمعذبين في الأرض بوجه عام، وهي أوضح ما تكون في الرواية التي تتولى تصوير نضال الطبقات الكادحة ضد الطبقات التي تستغلهم وتمتص دماءهم، ولابد أن يكون البطل فيها إيجابيا، وتعكس الرواية رؤية متفائلة تؤذن بانتصار الطبقة العاملة بوجه خاص، والكادحة بوجه عام.  ''مثل هذا الأدب لم يعد أسير العالم الخارجي القائم على الصراع المرير، ما بين الخير والشر، تارة الغلبةُ للأول، وتارة للثاني.. بل أضحى مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعالم الداخلي الموجَّه من قبل مبادئ وتعاليم خلقية واجتماعية منظمة… أي على الأديب أن يستلهم المُثل والقيم التي يناضل من أجلها هو وطبقته(…)، دون أن يفهم من ذلك تقييدا لحرية الأديب، أو إلزامه بما يملى عليه. إذ بمقدار ما ينطلق أدبه بحرية يأتي نتاجه بالعمق والأصالة اللذين يؤديان ما تطمح إليه الطبقة الاجتماعية من تنوير النفوس وصقلها وتثقيفها"[12]. "والكاتب العظيم ـ في الأدب الاشتراكي ـ هو الذي يستلهم الفكر الثوري الاشتراكي، على حد قول إرنست فيشر، ولكنه يتحرر من صلابة العقيدة ونُظمها الصارمة بأشكاله التعبيرية التي تحقق له المضمون الثوري، والنزعة الفنية الجمالية، في آن واحد".[13]‏

 على هذا النمط تقريبا، وضع كبار كتاب الواقعية الاشتراكية رواياتهم، ونظموا قصائدهم وجاؤوا بأدب يعكس بوضوح طموح الطبقات وصراعاتها، ورسموا الأطر التي يمكن فيها للإنسان أن يعيش الحياة المطمئنة، من أعمالهم: "الحرب والسلم"، و"آنّا كارنينا"، لتولستوي، و"الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي، وقصائد بوشكين (1799-1837)، وأقاصيصه، وغيرهم ممن ناضلواـ عبر شخصياتهم الأدبيةـ من أجل الخلاص الروحي والسعادة النفسية والحرب الطبقية التي شرعتها الأديان السماوية، وذلك قبل الثورة الاشتراكية البلشفية بزمن طويل... ومن هذه الأعمال الأكثر انطباقا على الواقعية الاشتراكية، رواية "الأم" لمكسيم غوركي (1868-1936) الصادرة 1907، أي قبل قيام الثورة الاشتراكية بعشر سنوات، فكانت بحق، ممهدة، ورائدة للأدب الاشتراكي، والنزعات الإنسانية المضيئة في سماء الأدب الروائي الاشتراكي، والشعر الواقعي الملتزم بقضايا الإنسان، وقيمه ومثله التاريخية؛ ورائده في الأدب الروسي المعاصر فلاديمير ماياكوفسكي (1893-1930)، الذي وازى بين المفهوم الجمالي الخالص وتطلعات الطبقات الشعبية ومصالحها.

إن مثل هذا الأدب أبعد من أن يصنف في قالب مذهبي محدد، لأنه يتجاوز الحدود المرسومة للمذهب الأدبي ويعانق حدودا إنسانية عريضة، وما نسبته إلى "الواقعية الكلاسيكية"، كما يرى س. بيتروف، إلا اجتهاد نقدي مناسب، لأنه يمتاح من الحياة الحارة النقية، لا وسيط بينهما ـ أي الواقعية والحياةـ إلاَّ الريشة المصورة النافذة إلى ما وراء الأشياء، الأمر الذي جعلها تستمر في حضورها فتطاول المذاهب الأدبية الثابتة هنا وهناك على ضفاف الأدب العالمي، فلم يحظ اتجاه آخر في الأدب العالمي بالقوة والتأثير على قلوب وعقول ملايين الناس في كل العالم، كما حصل للواقعية الكلاسيكية، التي شكلت المرحلة الأولى والأساسية للواقعية الاشتراكية[14].‏ 

1-2-معاني الواقعية في السينما

لو عدنا إلى الوراء لكي نتأمل بدايات الفن السينمائي في اللحظة التي شرعت فيها كاميرات السينما تدور لأول مرة، حينما صور المهندسان الفرنسيان لوميير أول الأشرطة السينمائية عام 1869 وكان زمن عرض الشريط لايتجاوز 46 ثانية وقد تم تصنيف الفيلم من قبل النقاد على أنه أول فيلم وثائقي وذلك لأنه يتابع حركة وصول قطار ونزول المسافرين منه. وعند مشاهدتنا للفيلم سنكتشف أن الأخوين لوميير حاولا أن ينقلا حركة الأشياء كما تجري في الواقع دون أن يتدخلا في اعادة تركيبها فنيا وفقا لخيالهما بل اكتفيا بعملية تسجيل الحركة على الشريط السينمائي كما تجري بتفاصيلها الواقعية. ''ترجمت السينما دوما انتسابها الفكري والجمالي إلى مواقع محددة، اختارت أن تترجم من داخلها مواقفها، من الوجود وقضايا الناس والثقافة، وكذا من السينما نفسها، فإن هذا سمح بالتمييز بين أجناس فلمية ومدارس سينمائية. وضمن هذه السيرورة اختارت أسماء واتجاهات أن تتموقع داخل الموقع الواقعي''[15]، وهو الذي يعتبر الاتجاه البارز في السينما، وذلك في سيرورة تطور الإبداع و الفن عامة، ويمكن النظر إليها في اختلافها عن نظريات عديدة أخرى. فإذا كانت الكلاسيكية مثلا ترى أن العالم أكثر منطقية ونظاما مما يبدو عليه، و الرومانسية ترى أن العالم أكثر عاطفية و إنسانية أكثر مما هو عليه، فإن الواقعية في السينما تحاول أن تصور العالم بدون مبالغات وبأكبر قدر ممكن من الموضوعية. 


لقد آمنت الواقعية في السينما بأن هناك حقيقة غير ذاتية، وكافحت ضد الانحياز الشخصي للفنان وضد المبالغة في العواطف، وسعت وراء الحقيقة، وطالبت الفنان أن يتخلى عن أفكاره المسبقة ويلتزم بتصوير ما يراه بأكبر قدر ممكن من الدقة والموضوعية. من داخل السينما يعد ”العمل بالواقعي، كل عمل لا يقتصر على استحضار صورة العالم المعروف ببدئية ساذجة وانما يصف وقائع مادية ويقصر نفسه على مكنون معين ماثل في الشيء باذلا الجهد للتعبير عن المعنى العميق للشيء أو بلوغ وإدراك ذلك المعنى ويمكن أن ندعو على العكس لاواقعي كل عمل يعبر أو يتجه لأن يعبر عن متعال معين عبر مكنون يتضمنه الشيء"[16]. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن الواقعية اتجاه سينمائي يستمد مشروعيته وأفقه النظرية، باعتبار السينما تجسيد خالص للواقع في كامل تجلياته سواء الاجتماعية أو السياسية كذلك الأنطولوجية.

1-3-حدود الواقعي و حدود المتخيل في السينما

إن المتتبع العادي للأفلام السينمائية يعتقد أنها من جنس واحد تتعايش داخل واقع ملموس،  إلى درجة يصعب فيها تبين الحدود الفاصلة بينها، في حين  تبدو هذه الحدود واضحة وجلية حينما نقارن بين الأفلام الوثائقية و بين التقرير الصحفي و الروبورطاج وكل أشكال تلفزيون الواقع التي تبتعد فيها عملية التقاط الصور المباشرة أكثر فأكثر عن فن الإخراج، الذي يتدخل بدوره في استعادة ثراء وتعقيد الواقع. إن التسلسل البصري للواقع الذي يقدمه المنجز الفيلمي، والذي يعكس بالضرورة رؤية سارده، غالبا ما يكون موضوع تأويلات، فالشيء المؤول إذن ليس الواقع في أصله، ولكن هو واقع الفيلم الذي هو موضوع إدراك من لدن مخرج هذا الفيلم، وفي هذا السياق يقول المخرج فيرتشوف: أن عين الكاميرا التي تريكم العالم كما أراه أنا فقط. وفي نفس المجال يقول بدوفكين، وهو من رواد السينما الروسية" ... علينا ألا نكتفي بملاحظة الواقع بشكل مجرد، بل محاولة رؤية أشياء أخرى كثيرة لا يدركها المشاهد، يجب ألا نكتفي بأن ننظر بل نفحص، ألا نرى بل ندرك، ألا نعرف بل نفهم"[17].

إن العلاقة بين الخيال والواقع في السينما هي علاقة معقدة وملتبسة، حيث الخيال هو طريقة لمقاربة الواقع، والواقع كذلك هو الجناح الذي نحلق به في سماء الخيال. فالسينما هو الفن الذي من خلاله يمكن إعادة بناء هذا الواقع مع الالتزام الواضح برؤية إخراجية وتصور درامي وسردي واضح. فهي إذن رؤية شخصية، وتعبير عن وجهة نظر، قاعدتها الأساسية والمطلقة احترام صورة الأشخاص المصورين، وصورة المتلقي الذي يجب أن يبقى له الحيز الأكبر في تأويل الإبداع الفيلمي.

إن مشكلة تقديم الواقع وفقا لرؤية معينة، لا تمس صناعة السّينما الخيالية أو الرّوائية فقط؛ فحتى السّينما الوثائقيّة لم تفلت من التوظيف الإيديولوجي، ويمكن أن نعود -هنا- إلى رأي جون غريرسون؛ الذي يرى أن وصف الوثائقي (documentaire) لا يعني أن السينما الوثائقية تحافظ على عذرية الوثيقة ونزاهتها؛ ذلك أن السينما الوثائقية هي التناول الخلاق للحقيقة الواقعية، وتدريجيا؛ فإن الفوارق بينها وبين السينما الخيالية سرعان ما تتناقص. إضافة إلى غريرسون، يمكن أن نستأنس بمقولة خالدة للأديب الإنجليزيّ الشّهير (جوزيف كونراد)، يقول فيها: "إن الخيال هو تاريخ البشر، وإلّا فهو لا شيء"[18].

فإذ كان الواقعي يتجسد من خلال شخصيات حقيقية واقعية يجري بينها حوار تلقائي، في زمان ومكان واقعيين بغاية تحقيق غاية معرفية تنويرية ومتعة فنية، قد تطول وقد تقصر وفق طبيعة الموضوع، فإن الخيالي، على العكس من ذلك، يعتمد قصة خيالية مبتدعة يجسد أحداثها ممثلون محترفون يمتثلون لإرشادات الحوار المكتوب، في مكان مصطنع تدخل عليه تعديلات الديكور والإضاءة والأكسيسوار، وذلك بهدف التسلية والترفيه والمعرفة، وربما الربح التجاري في حيز زماني  قد تطول مدته.

1-4-معاني الواقع في الفيلم الوثائقي

يعتبر إمانويل كانط أول من ميز بين الواقع والنظر إلى الواقع في التجربة الذاتية، عبر تمييزه بين "الشيء في ذاته" و"الشيء كما يظهر"، أي بين الباطن وبين الظاهر. وتطور النقاش مع ”ستيفن هوكينغ“ إلى السؤال هل تصورنا للحقيقي نعني به الواقعي وهل الواقع دائما حقيقي أم أن مفهوم الواقع اتسعت رؤيته لتشمل عناصر اعتبرت إلى وقت ليس ببعيد غير واقعية من قبيل الوهم والخيال؟  وأجاب بأن البشر يعيشون في واقع خيالي بدون أن يعرفوا ذلك، واقع تمت محاكاته بواسطة حواسيب ذكية كي تحافظ على سلميتهم وقناعتهم، في الوقت الذي تمتص فيه طاقتهم البيوكهربائية عبر نموذج الماتركس/المصفوفة (هوكينغ، 2010).


يرى جون بودريار Baudrillard، بأن وهم القبض على الواقع الحي مزال مستمرا منذ نرسيس المنحني فوق نبعه، إنه وهم مفاجأة الواقع بغية تجميده ووقف حركته. ويبدو بودريار هنا متأثرا بتفسير الواقع عند نيتشه الذي يعتبر جريانا وتدفقا لا متناهيا، أي أنه ينظر إلى الواقع باعتباره جريانا بلا حدود وتدفقا لامتناهيا، وهذا الطابع الجرياني والتدفقي الدائم للواقع يجعله غير قابل للضبط أو الإمساك به، ويجعله ينفلت باستمرار من أي محاولة للذات للهيمنة عليه والسيطرة على صيرورته. ويعتقد بأن الاعتقاد (=الإيمان) بالواقع، يشكل شكلا من أشكال الدينية البدائية، وضعفا كبيرا في فهم وإدراك الواقع ويمثل في نفس الوقت المأوى الأخير لحراس الأخلاق وأنبياء العقلانية.[19]

وبهذا المعنى أصبح  العالم مجرد صورة نقلا عن صورة، وأصبح مجموعة عمليات اصطناعية أو صورة بدون صلة أو علاقة مرجعية مع أصل محدد في الواقع، بل تكون هذه المصطنعات هي المهيمنة والواقع محجوب ومختف، حيث التمييز بين النسخة والمصطنع، النسخة تحافظ على علاقة مرجعية مع الأصل، بينما المصطنع لا يفعل غير اصطناع مصطنعات أخرى، وهنا يلتقي الجذري بالجينالوجيا لكون هذه الأخيرة آمنت بأن العلاقة الطبيعية بين الأصل والفرع ليست خالدة ولا ثابتة، بل بإمكان الفرع أن يتحول إلى أصل فيصبح أصلا لفرع آخر  مستقلا عن الأصل الأول.

يعرف جريرسون الوثائقي على أنه "المعالجة الخلاقة للواقع"، وكولمان بأنه "عملية الانتقاء من الواقع ومن التجربة الذاتية لصانع العمل". فالواقع هنا عند صانع الفيلم هو انطباع وليس نقلا حرفيا عنه[20]. إن الوثائقي، إذن، وسيط تمثيلي، يسجل ويعيد بناء الواقع اليومي. فنسخة الوثائقي عن الواقع ليست بريئة كما تحاول تقديم نفسها. إنه أداة ذاتية لا موضوعية، ووسيط يستدعي نظم تمثيل معينة لدعم وجهة نظر معينة حول شيء ما معين. ثم إن التمثيل ليس مطابقا للواقع الذي يمثله، فخلال عرض وثائقي ما، لا يشاهد الجمهور الواقع، بل تمثيلا مسجلا لما كان عليه، أو لما يعتقد أنه كان عليه. أنه إذا كان الشيء يحتاج تمثيلا فإننا نكون أمام نفس المنطق القائل بأن التمثيل ليس الشيء في حد ذاته، وإذا حصل العكس، أي كان الشيء مختلفا عن التمثيل فكيف يمكن الادعاء بأن الأخير حقيقي.

يرتكز الوثائقي في المقام الأول على التأويل الذاتي لصانعه حينما يختار مكانا أمام عين الكاميرا، أو شخصا بذاته، أو كلمات معينة. فالقيمة المعلوماتية تنقل عبر نظرة صاحبها وتقدم كمزيج بين الإحساس والمعلومة. هذه الوساطة أو التأويل الذاتي للموضوع المقدم في الوثائقي، تتأثر بعدد من العوامل كالأحكام المسبقة، والتحيزات، أو الرسالة المسبقة التي يريد الصانع الخروج بها من الفيلم. لذلك، فالوثائقي لا يمكنه أن يمثل إلا ظلا للواقع، أو ظلا لما يعتقد أنه واقع. فأي محاولة تدعي تمثيل الواقع ستكون محل شك. فالصورة في الوثائقي لن تكون بسيطة أو بريئة، بل مستخدمة بشكل متعمد لتشكيل معنى ما مسبق للفيلم، وكذا للمساعدة في تشكيل السياق الذي من خلاله يمكن تأويل معنى تسلسل الصور التي تليها. فمع كل ضغطة على فأرة الحاسوب مثلا، خلال عملية المعالجة والتوضيب/المونتاج، يصبح الوثائقي أقل تمثيلا للواقع بدرجة.

 

فالواقع في الفيلم الوثائقي يمكن أن نتصوره في كونه متجل من خلال اختيار أشخاص واقعيين غير مدربين على التمثيل، وفي المكان الطبيعي العادي الخالي من الأكسسوار والإضاءة المزينة...، ومن خلا كذلك نقل الموضوع بكل حيثياته من الواقع نفسه، غير أنه لا يمكننا تصور نقل الواقع الحقيقي لأن الحقيقة لا توجد إلا في الأصل.

2-الفيلم الواقعي: من تأسيس لوميير إلى إبدالات الامتداد

1-2-المعنى الحرفي للواقعية: تجربة لوميير والتصوير المباشر

اقترنت البداية الحقيقية للفعل السنيمائي تاريخيا بالابتكار المتفرد الذي جاء به الأخوان لوميير، ومفاده اختراع آلة السينماتوغراف على أنقاض الكينيتوسكوب لمخترعه أديسون، ولعل وجه الفرادة والتميز في السينماتوغراف هو أنه آلة تصوير وعرض وطبع الأفلام في آن معا، حيث استطاع هذا الجهاز أن ينجح في تقديم برنامج من عشرة أفلام في العرض الأول، من بينها أول فيلم في تاريخ السينما "خروج العمال من المصنع" على شاشة عرضها ثمانية أمتار وارتفاعها ستة أمتار في "غراند كافييه" بباريس أمام جمهور لم يتجاوز عدده خمسة وثلاثون متفرجا، وكان هذا اليوم يصادف 25 كانون الأول من عام 1895، وهو تاريخ ميلاد الفعل السنيمائي.[21] هكذا استطاعت آلة لوميير عرض الطبيعة على سجيتها، مفعمة بالحياة ومتحركة، إلى درجة أصبح فيها الواقع كأنه يفوق الخيال ويدهش الجميع حتى في بلاد أديسون نفسها، وقد عبر الصحفي أندري بارفيل عن هذا الإحساس قائلا: ”رأيت مشاهد واقعية أثارت دهشتنا، وهي مشاهد تتسم بصدق يفوق الواقع، لقد أصبح بالإمكان إعادة تجسيد الحياة وتفاصيل أي حركة في الحياة، وأصبح بإمكاننا أن نرى حركة الصور أكثر من مرة، واستعادة المعارف التي فقدناهم "(بتصرف)[22].

لقد كانت الصورة الفتوغرافية في البدء ا ثابتة،  وساور البعض من المولوعين بهذا الفن الوليد الطموح الجامح في إمكانية تحريك هذه الصورة، فتبلورت محاولات عدة في أواخر القرن التاسع عشر لإدراك هذا الطموح، نذكر منها اختصارا: محاولات توماس أديسون في الولايات المتحدة، و روبرت بول و بيرت إيكرز في إنجلترا، و الأخوان لوميير و كلاون اوسكي في ألمانيا... لكن قدر للأخوين جوستاف و لويس لوميير أن يظفرا ببراءة الاختراع ويخرجا إلى الوجود بآلة السينماتوغراف التي شكلت انعطافة خاصة في تاريخ السينما العالمية. واستنادا إلى هذه الحقائق التاريخية، أمكننا القول: إن ولادة السنيما كانت بالفيلم الوثائقي، الذي يمكن اعتباره ولاشك الأب الشرعي للفيلم الروائي، لأن الأفلام الأولى التي أنتجها الأخوان لوميير كانت وثائقية تسجيلية، من قبيل فيلم ”خروج العمال من المصنع“ وفيلم ”دخول القطار إلى المحطة“ وسواها، وجميعها قدمت صورة منسوخة للواقع المتحرك، وجاءت بمثابة ومضة أعطت الحياة للصورة الفتوغرافية فحركتها وأدخلت إليها الروح.

تعرف الساحر المسرحي والكاريكاتير جورج ملييس (ملييه) على آلة السنيماتوغراف عندما حضر العرض الأول واندهش بما رآه، وأعجب بهذه الآلة الساحرة، وحاول وسع طاقته الحصول على نىسخة منها ليستخدمها في عروضه المسرحية. كان جورج ملييس مخرجا وممثلا ورساما وساحرا استعراضيا بارعا ومصورا سنيمائيا وخبيرا في الميكانيكا والآلات، ولعل هذه المواهب والتخصصات الفنية التي اجتمعت في شخص ملييس، هي التي أهلته لأن يكون علامة فارقة في تاريخ الإبداع السينمائي حيث أختط لنفسه مسارا سنيمائيا اقترن بإسمه، (النظرية الانطباعية). وباشر موهبة الإنتاج السنيمائي من زاوية نظر أخرى، فتحت آفاقا رحبة أمام الابتكار الذي جاء به الأخوان موليير بعد أن حصل على جهاز تصوير من صانع الأدوات اللندني روبت باولو، وعكف على إنتاج ما يزيد عن  86 فيلما سنيمائيا، وعرضها في مسرحه، واعتمد في تحقيق هذه الأفلام على طريقة الأخويين لوميير، إلى أن اكتشف بمحض الصدفة- بعد تعطل آلة تصويره- أهمية الخلفية في تدعيم جمالية الصورة، حيث تنبه إلى المعاني الإضافية للصورة حينما تحولت الحافلة إلى عربة أموات كانت تمر بالساحة أثناء حصول الخلل في الكاميرا.

 لقد ألهمت هذه الصدفة ملييس إلى اكتشاف إمكانيات الكاميرا في ابتكار الخدع والحيل البصرية عبر تقنية إيقاف التصوير، والحفاظ على إطار الصورة ثابتا ومتابعة التصوير بعد تغيير مضمون الصورة، كما أنه اكتشف التصوير البطيء والسريع والاختفاء والظهور والمزج بين هذه التقنيات جميعها وتوظيف تقنية المونتاج الخلاق، كل هذه المهارات وظفها ملييس في فيلمه المدهش و الخيالي "رحلة إلى القمر" 1902 المستوحاة من روايتين من الخيال العلمي[23].

 

2-2-تجربة فرتوف وجماليات التعبيري الواقعي 

 يعد ”دزيغا فرتوف“ مخرجا وكاتب سيناريو ومنظرا سينمائيا، وهو أحد مؤسسي السينما الوثائقية السوفيتية والعالمية، و من أنصار السينما الثورية التسجيلية في روسيا الاشتراكية، صاحب نظرية "العين السينمائية" و "الحقيقة السينمائية" وصاحب فيلم "الرجل صاحب الكاميرا". وكانت نظرية "عين السينما" بالنسبة لفيرتوف أسلوبا في رؤية الواقع، وهي ترى أكثر مما تستطيع العين البشرية رؤيته، إنها تستعمل الكاميرا المخبأة والكاميرا التي يعتاد الناس وجودها وتصور الحياة، وتستعمل كل الوسائل التي تساعد على عكس الواقع الحقيقي.

فيرتوف هو القطب الثاني من أقطاب السنيما التسجيلية وأحد رواد السنيما السوفياتية، اختط لنفسه مسارا إبداعيا في مجال الصناعة السنيمائية رؤية ومنهجا وتحقيقا، رأى في الوسيط السنيمائي أنجع أداة للتثقيف والدعاية  للثورة في صفوف العمال والفلاحين، إذ لم يعتبر الفن (السنيما) مرآة تعكس الكفاح التاريخي، بل هي سلاح لهذا الكفاح. ومن منطلق هذه الخلفية الفكرية، عمل فيرتوف على تشكيل المادة الخام لمنتوجه السنيمائي من عالمه المحيط بما يحبل به من شخصيات وأماكن وأحداث...

اعتبر فيرتوف المونتاج أساس الفعل الإبداعي في الإنتاج الفيلمي، لما يوفره من إمكانات إبداعية تجعل المستحيل حقيقة، حيث إمكانية الجمع والتوليف بين شيئين لا يمكن الجمع بينهما في الواقع ودونما إقامة اعتبار للزمان والمكان، وكذا الربط بين اللقطات بطريقة شاعرية تتجاوز حدود المنطق. لهذه المزية الإبداعية أو تلك ،عد فيرتوف صاحب نظرية العين السنيمائية في الفيلم الوثائقي.

العين السينمائية هي تفسير للوثائق و تفسير للعالم المرئي والعالم غير المرئي للعين، هي قهر الزمن، هي تفتيت الزمن، هي إمكانية لرؤية العمليات الحياتية في نظام زمني لا تصله العين البشرية. فالحقيقة هي الهدف والعين السينمائية هي الوسيلة. فقد استطاع فرتوف القيام بانزياحات هامة عن السائد والمألوف والمتداول في مجال المونتاج الفيلمي، وكيفيات استعمال العدة السنيمائية، نفذ هذه الرؤية الانزياحية في تحقيق أعماله الفيلمية منها "الحقيقة العلمية" و"ثلاث أغنيات إلى لينين" و"الرجل ذو الكاميرا "وأفلام أخرى سعى من خلالها إلى ترسيخ جذور أسلوبية سنيمائية ترتكز على منظور مختلف، وتروم تشييد أفق مغاير متميز من خلال نهج استراتيجية إبدالية وإبداعية لا تكتفي بتسجيل المادة الخام انطلاقا من عدسة الكاميرا، بل تسعى إلى إعادة تشكيل هذه المادة من منطلق رؤية استباقية تطلعية تروم استشراف واقع جديد له خصوصيته وتميزه، من خلال توظيف تقنيات فيليمية جديدة من قبيل سرعة التصوير والمزج البصري بين اللقطات المنقسمة، واستعمال الكاميرات ذات العدسات المنشورية، وتصوير الأشياء الدقيقة، وتوظيف جماليات المونتاج بغية تفجير معاني جديدة تضفي على المنتج الفيليمي صبغة شاعرية.


3-2-فلاهيرتي والصياغة الانطباعية للواقع

روبرت فلاهيرتي نجم لامع في سماء الإبداع السنيمائي، و واحد من رواد الفيلم الوثائقي الذين خلفوا وراءهم تركة من الإبداعات الفيلمية تشهد لهم بالريادة والسبق الإبداعي في مجال صناعة الفيلم الوثائقي، والأفلام التي حققها فلاهيرتي كانت معظمها تسجلية، تحاول أن تنقل إلى الشاشة الكبيرة صورة عن الحياة الواقعية، وقد شكل  منحاه السنيمائي مدونة قائمة الذات  من حيث الإبداعية والعمق الجمالي المبتكر الذي يتغيى إنسانية الإنسان، أو سنيما الإنسان. من أهم إنجازاته فيلم "نانوك رجل الشمال" الذي حقق نجاحا باهرا جعله يصير محط اهتمام مؤرخي السنيما وعلماء الاجتماع.

والفيلم عموما شريط توغلت كاميرا مخرجه في عالم الإسكيمو، الذي لم يكن الجمهور يعرف عنه إلا الشيئ  القليل من المعلومات الممزوجة بالأساطير، إلا أن كاميرا فلاهيرتي السحرية والتواقة إلى الاستكشاف جعلت الاطلاع على تفاصيل الحياة اليومية للأسكيمو إمكانية متاحة، وحولت المستحيل ممكنا، ومن هاهنا تأتي فرادة المنحى السنيمائي لفلاهيرتي وكذا تميزه المنظوري عن غيره من الاتجاهات في مباشرة منجزه الإبداعي. إضافة إلى مجموعة من الأفلام الوثائقية الأخرى التي تعتبر علامات في تاريخ السنيما العالمية، ومعظمها في أصقاع العالم البعيدة نذكر منها على سبيل الاختصار فيلم "مونا" 1925 ومورنا 1931 و"رجل أران" 1934 و"ولد الفيل" 1937 و"الأرض" 1941 و"قصر لويزيانا" 1948 ...

وقد تمثل فلاهيرتي روح هذه المنهجية في اشتغاله على فيلم "نانوك رجل الشمال" حيث جاء في ثلاث مقاطع جسدت تباعا الفصل الدافيء. حيث إعداد العدة وأخذ الاحتياطات اللازمة لفصل الشتاء القاسي، ثم عرض الفصل الشديد البرودة في المقطع الثاني، في حين خصص المقطع الثالث لعرض حدث العواصف الجليدية القاسية، والفيلم في عمومه يتغيى إبراز فكرة قدرة الإنسان على التواؤم مع تحديات البيئة القاسية والتغلب عليها، من خلال عرض صور من واقع نانوك وعائلته بتلقائية وجرأة عالية دون الإحساس بوجود الكاميرا. عرض فلاهيرتي واقع هذه الأسرة عبر لقطات طويلة وازى فيها بين حركة الشخصيات في المكان وحركة الكاميرا، حتى لا يلجأ إلى تجزيء اللقطات عن طريق المونتاج الذي يفقد الحدث مصداقيته.

4-2-غريرسون و التعبير الخلاق عن الواقع

غريرسون رائد المدرسة البريطانية، والقطب الثالث من أقطاب السنيما الوثائقية، انطلق من قناعة أن الفيلم الوثائقي هو معالجة للأحداث الواقعية الجارية بأسلوب فني خلاق. كما تفرد عن غيره بالدعوة إلى الاهتمام بالتخطيط المسبق والتدقيق في مرحلة الكتابة الأولى للعمل الفني، واعتبارها منطلقا لا محيد عنه، ولم يسمح بالارتجال إلا في حدود معينة. أما تصوره لوظيفة الفيلم الوثائقي، فقد اعتبره أنجع وسيلة دعائية وتربوية في الاتصال الجماهيري، يقوم بأدوار هامة في حياة الناس كأداة لتقوية الإرادة  والتحفيز من جهة وأداة للتسلية من جهة ثانية. كما أن السينما عند غريرسون ليست مرآة عاكسة للواقع، بل هي إمكانية في يد المبدع السينمائي يسخرها لفتح عين المتلقي على سلبيات واقعه ومساءلته، وانتقاد كل ما يراه عبر عين الكاميرا.


 وقد رفض غريرسون سينما الأستوديوهات التي تزيف العمل التسجيلي وفضل التقاط صور من الحياة، وما يجري في البيئة الحقيقة التي هي موضوع للبحث التسجيلي، وأكد على ضرورة استخدام الممثل الحقيقي وليس الممثل المحترف حتى لا يشعر المتلقي بالزيف.[24] وقد حدد للفيلم التسجيلي ثلاث خصائص، لا بد من توافرها لكي يصبح الفيلم تسجيليا حقيقيا وهي:

أ-اعتماد الفيلم التسجيلي على التنقل، والملاحظة، والانتقاء من الحياة نفسها، فهو لا يعتمد على موضوعات مؤلفة وممثلة في بيئة مصطنعة كما يفعل الفيلم الروائي، وإنما يصوِّر المشاهد الحيةّ، والوقائع الحقيقية.

ب-أشخاص الفيلم التسجيلي ومناظره يختارون من الواقع الحي، فلا يعتمد على ممثلين محترفين، ولا على مناظر صناعية مفتعلة داخل الأستديو.

ج-مادة الفيلم التسجيلي تختار من الطبيعة رأساً، دون ما تأليف، وبذلك تكون موضوعاته أكثر دقة وواقعية من المادة المؤلفة والممثلة.[25]

3-منطقات الفيلم الوثائقي الواقعي

1-3-العناية بقضايا المجتمع هي الأصل

عمل الرواد الأوائل للفيلم الوثائقي على تصوير الوقائع من الحياة اليومية ونقلها للناس، إذ ركزوا على محاولة تحري الدقة والواقعية بنوع من الموضوعية، من خلال موضوعات تشغل هموم الناس وتندرج في عملهم اليومي. غير أن وصف الفيلم الوثائقي بالواقعي لا يعني أنه ينقل الحقيقة كما هي في الواقع لأن الواقع لا يوجد إلى في الواقع الحي نفسه. فتم التركيز على تزييف الواقع بطريقة إبداعية تضمن الواقعية بعيدا عن الخيال.

الفيلم الوثائقي الواقعي كائن جمالي يظهر عبر صور سينمائية وإطارات بصرية شاهقة التأمل والجمال يستوجب إمكانيات سردية وتكوينات مشهدية تثير الذائقة الجمالية للمتفرج. فالصورة السينمائية في الفيلم الوثائقي الواقعي هي لوحات متحركة تحاول الحفاظ على الزمان والمكان والوقائع الحية والمقابلات التلقائية. نسمي الجماليات الواقعية مجموع المرتكزات الخاصة المشكلة لبنية التعبير الفيلمي في السينما الواقعية .

وكمثال لبعض الجماليات ندرج فيلم “سارق الدراجات” ليفيتوريودي سيكا نجده يتحدث عن الحقائق الاجتماعية المباشرة ولا يتبع تقاليد السينما الروائية السائدة، إنه أيضا يستخدم ممثلين غير محترفين ويمنحنا إحساسا قويا بالمكان، وشريط الصوت فيه كان مصنوعا وكانت الحبكة القوية موجودة، فالفيلم يتحدث عن شخص يفقد دراجته ويحاول بيأس أن يستعيدها .فبدون الدراجة لا يستطيع أن يعمل، وبدون عمل لا تستطيع أسرته أن تأكل. وبالتالي فهو يجسد لنا واقعية الموقف، وهي الواقعية التي تخلق دوافع وممكنات للشخصية بصرف النظر عن المجتمع المحيط، حتى إن العقبة التي تكون في طريق الشخصية لا تكون عقبة روائية، ولكنها عقبة اجتماعية، وهذا يتيح للقصة أن تتناول الصعوبات التي تواجهها الشخصيات في حياتها فيما له صلة بالمشاكل التي تزعجها، ويتم التأكيد على هذا بلقطات استعراضية واسعة لتعطينا إحساساً بالمكان. 

إن أهم منطلقات الفيلم الوثائقي الواقعي هو نقل الواقع بنوع من الموضوعية، ويظهر ذلك من خلال العفوية والتلقائية في تشخيص الأحداث والوقائع بعيدا عن التصنع والتشويه بالزيادة أو النقصان، إما لخدمة أغراض شخصية أو إشهارية، أو ادعائية، وغيرها، وهذا ما يميزه عن الفيلم الروائي. وهو ينطلق أساسا من الواقع الحي إذ يسعى إما إلى الإخبار أو التثقيف أو التعليم أو إثارة إشكال أو إشكالات محورية التي في حاجة إلى التحليل والمناقشة. والواقعية فيه تعني إعادة تركيب أجزاء من هدا الواقع بطريقة مزيفة بل فنية تسعى إلى إيصال رسالة أو إثارة إشكال معين له علاقة بسياق ثقافي أو اجتماعي أو من الطبيعة نفسها، وجميع الموضوعات بالنسبة له منطلقا للاشتغال ما عدا الإيديولوجية أو السياسية التي تخدم جهات أو تيارات معينة، لأنه يسعى دائما لخدمة القضية الإنسانية لذاتها. الواقعية فيه تتمثل كذلك في الحفاظ على السياق الزمني والمكاني وتشخيص الأحداث كما حدثت في الواقع الحي، مع الحفاظ على الديكور الطبيعي الأصلي و إن لم يوجد يمكن خلق مماثل له.


لو عدنا بالذاكرة الى الوراء لكي نتأمل بعمق بدايات الفن السينمائي في اللحظة التي شرعت فيها كاميرات السينما تدور لأول مرة حينما صور المهندسان الفرنسيان لوميير أول الأشرطة السينمائية عام 1869، وكان زمن عرض الشريط لا يتجاوز 46 ثانية وقد تم تصنيف الفيلم من قبل النقاد على أنه أول فيلم وثائقي وذلك لأنه يتابع حركة وصول قطار ونزول المسافرين منه. عند مشاهدتنا للفيلم سنكتشف أن الأخوين لوميير حاولا أن ينقلا حركة الأشياء كما تجري في الواقع دون أن يتدخلا في إعادة تركيبها فنيا وفقا لخيالهماـ، بل اكتفيا بعملية تسجيل الحركة على الشريط السينمائي كما تجري بتفاصيلها الواقعية الواقعية، وسبب ذلك يعود إلى أن الهدف من عملهما لم يكن صناعة فيلم سينمائي.

 وفي ما يتعلق بفيلم الإخوة لا نستطيع أن نجزم بشكل قاطع غياب الخيال من عملهما ،خاصة اذا ما علمنا أن عددا من مؤرخي تطور الفن السينمائي يؤكدون في مؤلفاتهم بأن جميع ركاب القطار كانوا من أصدقاء الأخوين وقد تمت دعوتهم باعتبارهم ركابا يستقلون القطار، هنا بالضبط يكمن هامش الخيال البسيط الذي تحرك فيه الأخوان لوميير ولكن وبلا أدنى شك فرغم بساطته كان له أهميته التاريخية .بعد هذه التجربة توالت تجارب أخرى كانت تنسج على منوال سابقتها مع إضافات بسيطة هنا وهناك .إلى أن نضجت جملة من القواعد باتت تحكم وتوجه أي واحد يحاول أن يخرج فلما سينمائيا ومع نضج هذه القواعد واتضاح صورتها ومدى تأثيرها في بناء الفيلم .كانت مساحة الخيال تتسع هي الأخرى لتصبح أهميتها في البناء الفلمي موازية للواقع.[26] 

والتأكيد دائما على أن مسألة الواقع في الفيلم الوثائقي الواقعي لا يمكن تحقيقها إلا بشكل نسبي لأن الواقع لا يوجد إلى في الواقع نفسه، و يقول جون بودريار Baudrillard، في هدا الإطار، بأن وهم القبض على الواقع الحي مزال مستمرا منذ نرسيس المنحني فوق نبعه، إنه وهم مفاجأة الواقع بغية تجميده ووقف حركته. ويبدو بودريار هنا متأثرا بتفسير الواقع عند نيتشه الذي يعتبر جريانا وتدفقا لا متناهيا، إذ يقول بأنه ينظر إلى الواقع باعتباره جريانا بلا حدود وتدفقا لامتناهيا، وهذا الطابع الجرياني والتدفقي الدائم للواقع يجعله غير قابل للضبط أو الإمساك به، ويجعله ينفلت باستمرار من أي محاولة للذات للهيمنة عليه والسيطرة على صيرورته. ويعتقد بأن الاعتقاد (=الإيمان) بالواقع، يشكل شكلا من أشكال الدينية البدائية، وضعفا كبيرا في فهم وإدراك الواقع ويمثل في نفس الوقت المأوى الأخير لحراس الأخلاق وأنبياء العقلانية[27].

 

ويمكن إجمال أهم المنطلقات كالتالي:

- أن الموقف الحقيقي للواقعية في الشكل هو نفسها موقفه في المضمون .

- إبراز الواقع اللا مرئي موقفا من الواقع ولأجله.

- إبراز الكرامة الداخلية للروح الإنسانية في أبسط المواقف وذلك بغية الاعتراف بإنسانية الإنسان وقيمه خارج المقاييس السائدة التي تجعل التعبير الإنساني قائما على مرتكزات الفرز الطبقي والسياسي والإيديولوجي.

- عدم إعطاء حل لما يطرح من مشاكل وقضايا واعتماد بناء مفتوح للنهاية لتجاوز الفهم البسيط للإبداع وخلخلة نمط السرد المألوف وتفعيل إسهام المتلقي في عملية التلقي .

- الاعتماد على ممثلين غير محترفين . وتفجير فكرة النجم البطل بمعناها التقليدي بحثا عن العفوية الصادقة، والتعبيرية البليغة واللانمطية وتأسيسا لملامح الاختلاف الإبداعي أو الإبداعي المضاد.

- التأثير عبر الصور البسيطة التي تعطي وقعا قويا وصياغة بلاغة صدقها عبر نوع خاص من التأطير وسلم اللقطات يكشف عما هو عميق وعفوي ومعبر مثل اللقطات المقربة واللقطة –المشهد .

-  تأكيد صمود الإنسان ومناصرته ،ومن هنا يكون تركيز على المهمل والمنسي في الموضوعات والملابس والديكور عوامل صانعة لهذا الموقف ومؤكدة لعمق الانتساب لواقع السينما.

- الأسلوب التسجيلي ويتميز عن أسلوب الربورتاج وأسلوب التوثيق الحرفي.

- استعمال التركيب والتقطيع لغايات وظيفية ودلالية وليس بغاية التزويق والإظهار.

- اعتماد اللقطة المشهد التي تسمح بتدفق الواقع بشكل صريح داخل إطار الصور ومنحه بعضا من حيوية الواقع و حميميته ودفئه.

- الاقتصاد في الإنتاج وهو ما تعكسه الديكورات والملابس وباقي مكونات الفيلم مما يعطي طابعا واقعيا للأعمال.''[28]

-  أغلب مشاهد الأفلام الواقعية يتم تصويرها تصويرا خارجيا في نفس موقع الحدث.

- من مميزاتها أيضا المشاهد الطويلة ذات الحوار الممتد حيث يتكون الفيلم من أقل عدد لقطات التصوير وأفلام هذه المرحلة فكرتها واضحة لا إسقاط ولا رمزية فيها وهذا ما يجعل الواقعية بالشكل المطلق هي أقرب الأنواع إلى قلب وذاكرة المشاهد .

- الاستعانة بأناس حقيقيين بدل ممثلين معتقدين أن هذا سيجعلهم أكثر قربا من الواقع ،وقد استخدموا كثيرا المواقع الحقيقية بدلا من الاستوديوهات في التصوير.[29])

2-3-من البحث عن الحقيقة إلى تعبيرية الصدق

كان الرهان الأول للفيلم الوثائقي هو البحث والتنقيب عن الحقائق المتجسد في الأحداث، إذ أن الهدف الأول الذي تجسد من خلال تجارب الأخوين لوميير هو البحث عن الحقيقة في الواقع ونقلها إلى الناس في شكل صورة بصرية من خلال الوثائق الرسمية والمستندات. وقد شكلت هذه المرحلة المنطلق الأول للفيلم الوثائقي الذي يحاول باستمرار أن يكون واقعيا بشخوصه وأحداثه...، وقد ظهر ذلك من خلال مجموعة من التجارب والمدارس والاتجاهات التي اهتمت بالفيلم الوثائقي.

فقد استطاعت آلة لوميير عرض الطبيعة على سجيتها، مفعمة بالحياة ومتحركة، إلى درجة أصبح فيها الواقع كأنه يفوق الخيال ويدهش الجميع حتى في بلاد أديسون نفسها، إذ تم تصوير مشاهد واقعية أثارت دهشتنا، وهي مشاهد تتسم بصدق يفوق الواقع، لقد أصبح بالإمكان إعادة تجسيد الحياة وتفاصيل أي حركة في الحياة، وأصبح بإمكاننا أن نرى حركة الصور أكثر من مرة، واستعادة المعارف التي فقدناهم.

فالبحث عن الحقيقة وتصويرها ونقلها إلى الناس تحول إلى إمكانية التعبير عن هذا الواقع بكل صدق وشفافية، وذلك بالعمل على اقتطاع أجزاء من الواقع التي بإمكانها التعبير عنه، وذلك عبر عمليات تركيب بطريقة فنية تستلهم المشاهد وتجعله يعيش الأحداث والوقائع كما لو كان حاضرا فيها. وقد ظهرت عدة مدارس سينمائية مميزة مثل الانطباعية في فرنسا ومخرجون مثل أبيل جانس، والتعبيرية في ألمانيا ومخرجون مثل فريتزلانج ومانور، والسوريالية على يد لويس بونويل وسلفادور دالي، والمخرجين السوفييت مثل سيرجي إيزنشتاين وبودوفكين وفيرتوف. وقد ساهمت جل المدارس في محاولة تعميق قيمة الفيلم الوثائقي وتصور واقعيته من وجهة نطر معينة.

غير أن جل المدارس والرواد الذين حاولوا البحث في ماهية الفيلم الوثائقي، توصلوا إلى أن  تحقيق الموضوعية المطلقة والتجرد من  الخلفية المضمرة،  و غياب اللمسة الذاتية في صناعة الفيلم الوثائقي أمر مستحيل، ولا ينسجم مع طبيعة السلوك الإبداعي، وهذا ما يفرض على المتلقي حتما أن يتبين الحدود الفاصلة بين الحقيقة  اللاحقيقة، وبين الواقع وبين الخيال، وهي خيوط  جد رفيعة لا يتمكن من رصدها إلا من تسلح برؤية نقدية ثاقبة. وفي هذا الشأن يقول سمير فريد:" في السينما التسجيلية يجب أن نضع كلمة حقائق بين قوسين عن عمد، لأن كون الصورة حقيقية أي تصور حدثا حقيقيا لا يعني أنها حقيقة، فالحدث الحقيقي يصور من زاوية تصوير معينة في إضاءة معينة واستخدامه في فيلم يعني استخدامه للتعبير عن وجهة نظر محددة، بل إن الحدث المصور في إطار الجريدة الإخبارية أيضا يعبر عن وجهة نظر لأن صانع الجريدة يختار هذا الحدث من بين أحداث متعددة وقعت في نفس الوقت وربما في نفس المكان وطالما هناك اختيار فليست هناك حقيقة مجردة."[30]

 

وبذلك، كان لزاما التقيد بالصدق في نقل الواقع، والصدق لا ينبني في الفيلم الوثائقي الواقعي إلا من خلال اعتماد العفوية في تشخيص الأحداث والوقائع، وذلك لا يتم إلا من خلال شخوص واقعية من صلب الأحداث المعاشة، والتي يمكنها أن تعبر بكل تلقائية وتحاول إعادة نقل الوقائع كما حدثت. كذلك الأمكنة تكون أصلية وإن لم توجد وجب البحث عن الشبيهة لها، حتى الزمان والمكان، والمقابلات لا يجب أن تكون ملقنة مسبقا حتى التدريب يجب أن يشمل بعض الجوانب التقنية فقط كالتعامل مع الكاميرا مثلا.

3-3-من واقعية السينما إلى سينما الحقيقة

لا ريب أن السنيما في بداياتها الجنينية بدأت وثائقية، حيث كان طموحها هو التقاط مشاهد من واقع الناس، وعرضها عبر صور متحركة في شكل أفلام قصيرة في مدة زمانية لا تتجاوز دقائق معدودة، وكان راهنها هو تحقيق المتعة الفنية، أكثر منه توثيق الحدث، لكن التطور المطرد الذي عرفته السينما، بفضل التقدم التكنولوجي، فتح آفاقا رحبة أمام رواد هذا الوافد الجديد، الذي تحول بفضل تعميق البحث المتخصص في مجال الصورة المتحركة، لبناء صناعة فنية لها منطلقاتها النظرية وتصوراتها المنهجية ومدارسها الفنية.

وبهذا المعنى، نزعت السينما منذ بداياتها الأولى إلى أن تكون واقعية من خلال نقل أحداث الواقع بقدر من الموضوعية والمصداقية، وتجاوز الخيال. لذلك ارتبطت ارتباطا قويا بصلب الحدث بأحداثه وشخوصه ومعالمه، مع تحري الصدق والأمانة في التركيب والتحويل، غير أن هذا الأمر تحول عند البعض من الرواد إلى اعتماد منهج وأسلوب نقل الحقيقة، ورأى أن هذه الحقيقة لا يمكن أن تتحقق إلى باعتماد تقنيات ووسائل بديلة، وبذلك طهر اتجاه جديد تمثل في سينما الحقيقة.

ظهرت في عشرينات القرن الماضي السينما الثورية التسجيلية في روسيا الاشتراكية على يد المنظر والمخرج دزيغا فيرتوف، صاحب نظرية "عين السينما" وصاحب فيلم "الرجل ذو الكاميرا". وكانت نظرية "عين السينما" بالنسبة لفيرتوف أسلوبا في رؤية الواقع، وهي ترى أكثر مما تستطيع العين البشرية رؤيته، إنها تستعمل الكاميرا المخبأة والكاميرا التي يعتاد الناس وجودها وتصور الحياة، على حين غِرَّة،  وتستعمل كل الوسائل التي تساعد على عكس الواقع الحقيقي. فيرتوف هو القطب الثاني من أقطاب السنيما التسجيلية وأحد رواد السنيما السوفياتية، اختط لنفسه مسارا إبداعيا في مجال الصناعة السينمائية رؤية ومنهجا وتحقيقا، رأى في الوسيط السنيمائي أنجع أداة للتثقيف والدعاية  للثورة في صفوف العمال والفلاحين، إذ لم يعتبر الفن (السنيما) مرآة تعكس الكفاح التاريخي، بل هي سلاح لهذا الكفاح. ومن منطلق هذه الخلفية الفكرية.

عكف فيرتوف على تشكيل المادة الخام لمنتوجه السنيمائي من عالمه المحيط بما يحبل به من شخصيات وأماكن وأحداث... لقد تفرد فيرتوف عن نظيره فلاهيرتي في نظريته للمونتاج، والذي عده أساس الفعل الإبداعي في الإنتاج الفيلمي، لما يوفره من إمكانات إبداعية تجعل المستحيل حقيقة، حيث إمكانية الجمع والتوليف بين شيئين لا يمكن الجمع بينهما في الواقع ودونما إقامة اعتبار للزمان والمكان، وكذا الربط بين اللقطات بطريقة شاعرية تتجاوز حدود المنطق. لهذه المزية الإبداعية أو تلك ،عُدَّ فيرتوف صاحب نظرية سنيمائية في الفيلم الوثائقي. ترتكز سينما الحقيقة على أننا لا نستطيع أن نجعل عيوننا أفضل مما هي عليه، لكننا نستطيع تطوير الكاميرا السينمائية إلى ما لا نهاية.


على هذا الأساس يمكننا استعمال الكاميرا كعين أكثر كمالا من عيننا البشرية، بهدف دراسة فوضى الظواهر المرئية التي تملأ فضاءنا. فهذه العين تشكل إمكانية جعل الشيء غير المرئي واضحا، و المتخفي بارزا والمقنع مرئيا ، نحن نسمي ذلك العين- السينمائية: عين وظيفتها فك شفرات الحياة ورموزها، عن طريق معمل الوقائع، و تصوير الوقائع ضد الشعوذة وتبويبها ضد الغيبية السينمائية، كل ذلك بهدف توعية الشغيلة. لقد اخترع الناس الميكروسكوب بهدف رؤية ودراسة الظواهر غير المرئية واخترعوا التلسكوب بهدف رؤية الكواكب البعيدة المجهولة ودراستها، وهكذا تم اختراع الكاميرا بهدف التوغل بعمق أكثر في عالمنا المرئي بهدف تسجيل الظواهر المرئي.

خاتمة

من خلال هذه الجولة المستفيضة حول أهم جوانب الفيلم الوثائقي الواقعي، والتي لا أدعي فيه الكمال، يتضح جليا أن الإلمام بجوانب الموضوع وحيثياته رهان صعب المنال، كما أن الحسم النهائي في حشد من القضايا ذات الصلة بالفيلم الوثائقي الواقعي بالخصوص أضحى أمرا نسبيا، نظرا للتطور المطرد الذي يعرفه الحقل السنيمائي دوليا وعربيا ومغربيا، لذلك فالقضايا المعالجة في هذا العرض تبقى –بحكم طبيعتها مشرعة على البحث والتدقيق النقديين، خاصة على المستوى العربي عموما والمغربي خصوصا والذي ما يزال فيه الاهتمام بالسينما الوثائقية أمرا هامشيا وغير ذي جدوى في سياسات دعم السنيما (المغرب نموذجا)، وحصر مهمة الوثائقي الواقعي في دائرة خدمة الدوائر الرسمية في مجال الدعاية والتعبئة السياسية، وهذا أمر طبيعي في أجواء سياسية تغيب فيها الخيارات الديمقراطية ويسود الصوت الواحد.


غير أن هذا لا يمنع من أن نؤكد أن الفيلم الوثائقي الواقعي ينزع باستمرار إلى محاولة نقل الواقع وإبراز حقيقته، من خلال الاعتماد على المادة الخام من الحياة اليومية بعيدا عن الخيال، باعتماد شخوص من الواقع الحي، من خلال زمان ومكان حاصلين، وتحري الصدق والأمانة باعتماد الموضوعية عبر العفوية والتلقائية في الأداء، والتركيز على أن تجري الأحداث كما حدثت في الواقع. غير أن مسألة نقل الواقع تبقى نسبية، لأن الفيلم الوثائقي الواقعي يعالج قضية من القضايا من زاوية معينة، من خلال اقتطاع أجزاء من الواقع وإعادة تركيبها باعتماد المونتاج، وهو الأمر نفسه بالنسبة للزمان والمكان.

بيبليوغرافيا

üموسوعة المصطلح النقدي، الواقعية، الرومانسية، الدراما والدرامي والحبكة، المجلد الثالث، ترجمة د.عبد الواحد لؤلؤه، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،1983 .

üفليب فان تيغيم، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، ترجمة: فريد أنطونيوس، منشورات عويدات، بيروت، ط3، 1983. 

 üس. بيتروف، الواقعية النقدية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ دمشق 1983.

üأحمد إبراهيم الهواري، نقد الرواية في الأدب الحديث في مصر، ط3، دار المعارف، القاهرة،1984.

üصلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، ط2، دار المعارف،1980 .

üمحمد مندور، الأدب ومذاهبه، دار النهضة للطباعة والنشر، القاهرة، بدون تاريخ

üياسين الأيوبي، مذاهب الأدب معالم وانعكاسات، دار العلم للملايين، بيروت، 1984.

üاتباتو حميد، هوية السينما المغربية فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط،، ط1، 2014.

üطارق جبوري، سينما الخيال العلمي، وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما،2001. 

 üماهر ماجد إبراهيم، الوثيقة السينمائية بين الواقع والخيال، مجلة الأكاديمي، جامعة بغداد، ع 48، 2008م.

üالقيس الزبيدي، جدلية المشهد وإخراج المشاهد من المسرح، المجلة المغربية للأبحاث السنيمائية، العدد 02، ابريل 2014 .

موقع الجزيرة الوثائقية

üالعمري أمير، مدخل إلى جماليات السينما، المجلة المغربية للأبحاث السينمائية، ع5، يوليوز 2016.

üحسين أحمد، عدنان، (2014). سينما الواقع بين الذات والموضوع، الدوحة: الجزيرة الوثائقية. مأخوذ من: http://goo.gl/ZcN2y8 .

üغادة جبار، مدارس واتجاهات السنيما التسجيلية" http://doc.aljazeera.net

üحبيبي حسن، الوجه الآخر للسنيما الوثائقية،  موقع مجلة الجزيرة الوثائقية(http://doc.aljazeera.net.

üرامي عبد الرزاق، قراءة في تحديات الفيلم الوثائقي، مجلة الجزيرة الوثائقية http://doc.aljazeera.net. 

 ü.Lina Khatib: Filming the modern middle east, Politics in the cinema of Hollywood and the Arab World. I.B.Tauris. London. 2006. P. 2 

ü.Baudrillard, J. (1994). Simulacra and simulation. University of Michigan press.



[2]فليب فان تيغيم، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، ترجمة  فريد أنطونيوس، منشورات عويدات، بيروت، ط 3، 1983، ص 240-241.

[3]موسوعة المصطلح النقدي، الواقعية، الرومانسية، الدراما والدرامي والحبكة، المجلد الثالث، ترجمة  د.عبد الواحد لؤلؤه، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،1983 ،ص56. 

[4] س. بيتروف، الواقعية النقدية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ دمشق 1983، ص81

[5] أحمد إبراهيم الهواري، نقد الرواية في الأدب الحديث في مصر، ط 3، دار المعارف، القاهرة، 1984

[6]صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، ط 2، دار المعارف،1980 ، ص  33 وص 34.

[7] المرجع السابق، ص 16

[8] محمد مندور، الأدب ومذاهبه، دار النهضة للطباعة والنشر، القاهرة، بدون تاريخ، ص 95-94.

[9]موسوعة المصطلح النقدي، مرجع سابق، ص 59.

[10]فليب فان تيغيم، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، مرجع سابق، ص 242 .

[11]فليب فان تيغيم، المرجع السابق، ص152-151 .

[12]ياسين الأيوبي، مذاهب الأدب معالم وانعكاسات، دار العلم للملايين، بيروت، 1984، ص  327. 
[13] ياسين الأيوبي، المرجع السابق، ص 330
 [14]س. بيتروف، المرجع السابق، ص 346 ـ347. 

[15]-اتباتو حميد، هوية السينما المغربية فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين، منشورات اتحاد كتاب المغرب،الرباط،، الطبعة الأولى، 2014 ، ص32 ،33.

[16]طارق جبوري، سينما الخيال العلمي، وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما،2001، ص 46. 


[17]حبيبي حسن، الوجه الآخر للسنيما الوثائقية،  موقع مجلة الجزيرة الوثائقية (http://doc.aljazeera.net/ ص 02.

[18]Lina Khatib: Filming the modern middle east, Politics in the cinema of Hollywood and the Arab World. I.B.Tauris. London. 2006. P. 2

[19]Baudrillard, J. (1994). Simulacra and simulation. University of Michigan press.

[20]حسين أحمد، عدنان،(2014). سينما الواقع بين الذات والموضوع، الدوحة: الجزيرة الوثائقية. مأخوذ من:

 http://goo.gl/ZcN2y8

[21]القيس الزبيدي، جدلية المشهد وإخراج المشاهد من المسرح، المجلة المغربية للأبحاث السنيمائية، العدد 02، ابريل 2014 .

[23]الأولى لجول فيرن: من الأرض إلى القمر 1873 والثانية للكاتب  ج ويلز أول الناس على القمر

[24]غادة جبار "مدارس واتجاهات السنيما التسجيلية" http://doc.aljazeera.net/موقع الجزيرة الوثائقية

[25]د غادة جبار، مرجع سابق.

 [26]الدليمي مروان ياسين، العلاقة ما بين الواقع والخيال في الفن السينمائي، مجلة أدب فن، مجلة إلكترونية ثقافية تعنى بكل أشكال الكتابة الإبداعية www.adabfan.com.

[27]Baudrillard, J, Simulacra and simulation. University of Michigan press. 1994, p44. 

[28]اتباتو حميد، هوية السينما المغربية فتنة اللامرئي وقلق المغلوبين، مرجع سابق، ص 35.

[29]العمري أمير، مدخل إلى جماليات السينما، المجلة المغربية للأبحاث السينمائية، العدد 5، يوليوز 2016، ص 61.

[30]رامي عبد الرزاق" قراءة في تحديات الفيلم الوثائقي مجلة الجزيرة الوثائقية http://doc.aljazeera.net، مرجع مذكور، ص1.

 

 المصدر الأصلي للمقالة:

الصادقي العماري الصديق، سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي  -أسس وقضايا-، مجلة وادي درعة، العدد 35، مطبعة شمس برنت، سلا، المملكة المغربية، 2019، ص ص 35-69.

تعليقات

  1. لو عدنا إلى الوراء لكي نتأمل بدايات الفن السينمائي في اللحظة التي شرعت فيها كاميرات السينما تدور لأول مرة، حينما صور المهندسان الفرنسيان لوميير أول الأشرطة السينمائية عام 1869 وكان زمن عرض الشريط لايتجاوز 46 ثانية وقد تم تصنيف الفيلم من قبل النقاد على أنه أول فيلم وثائقي وذلك لأنه يتابع حركة وصول قطار ونزول المسافرين منه. وعند مشاهدتنا للفيلم سنكتشف أن الأخوين لوميير حاولا أن ينقلا حركة الأشياء كما تجري في الواقع دون أن يتدخلا في اعادة تركيبها فنيا وفقا لخيالهما بل اكتفيا بعملية تسجيل الحركة على الشريط السينمائي كما تجري بتفاصيلها الواقعية. ''ترجمت السينما دوما انتسابها الفكري والجمالي إلى مواقع محددة، اختارت أن تترجم من داخلها مواقفها، من الوجود وقضايا الناس والثقافة، وكذا من السينما نفسها، فإن هذا سمح بالتمييز بين أجناس فلمية ومدارس سينمائية. وضمن هذه السيرورة اختارت أسماء واتجاهات أن تتموقع داخل الموقع الواقعي''[15]، وهو الذي يعتبر الاتجاه البارز في السينما، وذلك في سيرورة تطور الإبداع و الفن عامة، ويمكن النظر إليها في اختلافها عن نظريات عديدة أخرى. فإذا كانت الكلاسيكية مثلا ترى أن العالم أكثر منطقية ونظاما مما يبدو عليه، و الرومانسية ترى أن العالم أكثر عاطفية و إنسانية أكثر مما هو عليه، فإن الواقعية في السينما تحاول أن تصور العالم بدون مبالغات وبأكبر قدر ممكن من الموضوعية.

    ردحذف
  2. كان الرهان الأول للفيلم الوثائقي هو البحث والتنقيب عن الحقائق المتجسد في الأحداث، إذ أن الهدف الأول الذي تجسد من خلال تجارب الأخوين لوميير هو البحث عن الحقيقة في الواقع ونقلها إلى الناس في شكل صورة بصرية من خلال الوثائق الرسمية والمستندات. وقد شكلت هذه المرحلة المنطلق الأول للفيلم الوثائقي الذي يحاول باستمرار أن يكون واقعيا بشخوصه وأحداثه...، وقد ظهر ذلك من خلال مجموعة من التجارب والمدارس والاتجاهات التي اهتمت بالفيلم الوثائقي.

    ردحذف
  3. اقترنت البداية الحقيقية للفعل السنيمائي تاريخيا بالابتكار المتفرد الذي جاء به الأخوان لوميير، ومفاده اختراع آلة السينماتوغراف على أنقاض الكينيتوسكوب لمخترعه أديسون، ولعل وجه الفرادة والتميز في السينماتوغراف هو أنه آلة تصوير وعرض وطبع الأفلام في آن معا، حيث استطاع هذا الجهاز أن ينجح في تقديم برنامج من عشرة أفلام في العرض الأول، من بينها أول فيلم في تاريخ السينما "خروج العمال من المصنع" على شاشة عرضها ثمانية أمتار وارتفاعها ستة أمتار في "غراند كافييه" بباريس أمام جمهور لم يتجاوز عدده خمسة وثلاثون متفرجا، وكان هذا اليوم يصادف 25 كانون الأول من عام 1895، وهو تاريخ ميلاد الفعل السنيمائي. هكذا استطاعت آلة لوميير عرض الطبيعة على سجيتها، مفعمة بالحياة ومتحركة، إلى درجة أصبح فيها الواقع كأنه يفوق الخيال ويدهش الجميع حتى في بلاد أديسون نفسها، وقد عبر الصحفي أندري بارفيل عن هذا الإحساس قائلا: ”رأيت مشاهد واقعية أثارت دهشتنا، وهي مشاهد تتسم بصدق يفوق الواقع، لقد أصبح بالإمكان إعادة تجسيد الحياة وتفاصيل أي حركة في الحياة، وأصبح بإمكاننا أن نرى حركة الصور أكثر من مرة، واستعادة المعارف التي فقدناهم "/

    ردحذف
  4. تعرف الساحر المسرحي والكاريكاتير جورج ملييس (ملييه) على آلة السنيماتوغراف عندما حضر العرض الأول واندهش بما رآه، وأعجب بهذه الآلة الساحرة، وحاول وسع طاقته الحصول على نىسخة منها ليستخدمها في عروضه المسرحية. كان جورج ملييس مخرجا وممثلا ورساما وساحرا استعراضيا بارعا ومصورا سنيمائيا وخبيرا في الميكانيكا والآلات، ولعل هذه المواهب والتخصصات الفنية التي اجتمعت في شخص ملييس، هي التي أهلته لأن يكون علامة فارقة في تاريخ الإبداع السينمائي حيث أختط لنفسه مسارا سنيمائيا اقترن بإسمه، (النظرية الانطباعية). وباشر موهبة الإنتاج السنيمائي من زاوية نظر أخرى، فتحت آفاقا رحبة أمام الابتكار الذي جاء به الأخوان موليير بعد أن حصل على جهاز تصوير من صانع الأدوات اللندني روبت باولو، وعكف على إنتاج ما يزيد عن 86 فيلما سنيمائيا، وعرضها في مسرحه، واعتمد في تحقيق هذه الأفلام على طريقة الأخويين لوميير، إلى أن اكتشف بمحض الصدفة- بعد تعطل آلة تصويره- أهمية الخلفية في تدعيم جمالية الصورة، حيث تنبه إلى المعاني الإضافية للصورة حينما تحولت الحافلة إلى عربة أموات كانت تمر بالساحة أثناء حصول الخلل في الكاميرا.

    ردحذف
  5. إن مشكلة تقديم الواقع وفقا لرؤية معينة، لا تمس صناعة السّينما الخيالية أو الرّوائية فقط؛ فحتى السّينما الوثائقيّة لم تفلت من التوظيف الإيديولوجي، ويمكن أن نعود -هنا- إلى رأي جون غريرسون؛ الذي يرى أن وصف الوثائقي (documentaire) لا يعني أن السينما الوثائقية تحافظ على عذرية الوثيقة ونزاهتها؛ ذلك أن السينما الوثائقية هي التناول الخلاق للحقيقة الواقعية، وتدريجيا؛ فإن الفوارق بينها وبين السينما الخيالية سرعان ما تتناقص. إضافة إلى غريرسون، يمكن أن نستأنس بمقولة خالدة للأديب الإنجليزيّ الشّهير (جوزيف كونراد)، يقول فيها: "إن الخيال هو تاريخ البشر، وإلّا فهو لا شيء.

    ردحذف

إرسال تعليق

يمكنكم كتابة تعليق كقيمة تفاعلية مع الموضوع: إضافات، أو تساؤلات، أو انتقادات علمية، أو توجيهات، أو ملاحظات....

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

إعلان طلبات النشر في مجلة كراسات تربوية. العدد (13) فبراير 2024

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي بعنوان: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

مجلس تدبير المؤسسة آلية للتأطير والتدبير التربوي والإداري

خلاصات

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

إعلان خلاصات2

مشاركات

قراءة في كتاب: ديناميات الثقافة في المسرح: من المثاقفة إلى التناسج الثقافي. للدكتور الصدّيق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

السيناريو البيداغوجي، آلية جديدة لترسيخ التعلمات

إعلان خلاصات3

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

خلاصات أخرى

المشاركات الشائعة

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

إعلان خلاصات4

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

pub3