يعتبر هذا الكتاب: «التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجية»، للفاضل الأستاذ الصديق الصادقي العماري، من بين المحاولات الجادة التي تعمل على رصد جوانب ومداخل رئيسة تعتمدها المنظومة التربوية في بلادنا من أجل التجديد والإصلاح. كما يعمل على قراءة وتحليل وتفسير مختلف الظواهر التربوية في علاقتها بالظواهر الاجتماعية، والتي تشكل تحديا بارزا يقف أمام منظومة التربية والتكوين من أجل تحقيق أهدافها.
وفي مقاربته النظرية لتلك الجوانب والظواهر، يستأنس الأستاذ الصادقي بإطار نظري متميز وهو الإطار البنيوي الوظيفي- المؤسساتي، الذي يركز على التفاعل الحيوي الجدلي بين مكونات المجتمع المغربي، والتي تعتبر المدرسة من أبرزها، وذلك لأجل ضمان استمرار فعالية ودينامية هذا المجتمع النامي وتطوره.
هذه المقاربة التي تسعى، حسب المؤلف، للكشف على جوانب هامة من دينامية منظومة التربية والتعليم في سعيها الدؤوب نحو الإصلاح، وإيجاد صيغ مناسبة لتجديد وتطوير أدوار المدرسة المغربية باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية المجتمعية، خلافا لما كانت عليه في السابق، وذلك من أجل السير على نهج الدول المتقدمة ومواكبة كل التغيرات والتطورات التي يشهدها عالمنا المعاصر.
حيث عمل في الفصل الأول على محاولة الكشف عن أهم دعائم التنشئة الاجتماعية كعملية أساس في تربية الأفراد سواء في الأسرة أم المدرسة أم في غيرها من مؤسسات المجتمع. كما أكد على دور هذه التنشئة في تنمية التفكير الإبداعي لدى الأفراد، متطرقا في نهاية الفصل، للعوائق التي تحول دون تحقيق التنشئة الاجتماعية لأهدافها المرجوة.
في حين تناول الفصل الثاني أدوار المدرسة المغربية ومفهوم التنمية في أبعادها الأساس، خاصة التنمية البشرية والمستدامة، وكذلك التخطيط المدرسي الاستراتيجي ودوره في تأهيل المتعلمين للتمكن من الكفايات الضرورية التي تؤهلهم لمواجهة كل الصعاب الحياتية.
كما تطرق في الفصل الثالث لموضوع التربية على القيم في المدرسة المغربية، حيث حلل في البداية دواعي اعتماد التربية على القيم، ومفهوم القيم، ثم روافد القيم، وصولا إلى تحديد أنوع القيم المعتمدة كما وردت في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي عمل على استعراضها بقدر من التفصيل، مع تقديم نماذج عن ذلك. ومن هذه الأنواع قيم العقيدة الإسلامية، وقيم المواطنة، وقيم السلوك المدني، وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي الفصل الرابع تناول المؤلف مختلف العوامل والمؤثرات التي تحول دون تساوي المتعلمين/التلاميذ أمام فعل التربية منها على وجه الخصوص الوسط العائلي، والمعطى اللغوي، ومنظومة القيم...وغيرها من المؤثرات.
وفي الفصل الأخير تطرق الأستاذ الصادقي إلى المقاربة بالكفايات في أهم مقوماتها، كاختيار بيداغوجي من شأنه أن يتجاوز نموذج التدريس بالأهداف السلوكية من حيث الاعتماد عليه باعتباره وسيلة لا غاية. كما تطرق في هذا الفصل إلى مجموعة من المفاهيم كمفهوم المقاربة البيداغوجية، وتقريب مفهوم الكفاية وأهم المفاهيم المرتبطة بها، كذلك دور الأهداف التعليمية في تحقيق الكفايات، وعلاقة الكفاية بنظريات التعلم والاكتساب، ثم علاقتها مع بيداغوجيات أخرى، ومنها البيداغوجيا الفارقية ونظرية الذكاءات المتعددة وبيداغوجيا المشروع وبيداغوجيا الخطأ وبيداغوجيا العمل بالمجموعات.
إن هذا العمل الذي اجتهد الأستاذ الصديق الصادقي العماري في تأليفه وتنظيم فصوله، يأتي كثمرة لسنوات من العمل والبحث التربوي. إنه حصيلة تستند إلى تجربته المهنية، من خلال ممارسته للعمل التربوي كأستاذ، وكمتتبع لكل التحولات التي عرفتها الساحة التربوية خلال العقود الأخيرة والتي واكبت بعض أشواط الإصلاح. وكذلك باعتبار تجربته كباحث في علم الاجتماع، وهذا ما يميز عمله ومشروعه الطموح، من حيث مثابرته وتأكيده عل ربط الظواهر التربوية بالظواهر الاجتماعية وتوظيف المقاربة السوسيولوجية في التعامل مع الشأن التربوي ببلادنا.
والله ولي التوفيق
وبسبب هذا الوضع، كان على الدراسات الاجتماعية، أن تواكب الواضعة الراهنة للمجتمع، بتكثيف وتجديد مقارباتها، حتى تكون قادرة على فهم وتحليل مختلف الظواهر التي يطفح بها المشهد الاجتماعي المغربي، بمختلف مكوناته ومجالاته المختلفة، سواء في مجال القرى والواحات، أو في مجالات المدن وأحوازها.
إن أزمة القيم تعد من السمات الواضحة في العصر الحاضر، نتيجة لطغيان المادة على ما حولها من قيم ومبادئ، فالتقدم الباهر الذي وصل إليه الإنسان لم يحقق له التوازن النفسي الذي يبتغيه، بل إنه ساعد على اهتزاز القيم وضحالتها بداخله فأصبح كل ما يهمه المادة فحسب٬ فهو لايرى إلا ذاته، ولا يسمع إلا صوته٬ ونتيجة لهذا ضعفت القيم التي تحافظ على الترابط الاجتماعي. مما أدى إلى تفشي مشاكل اجتماعية كثيرة مثل الانحراف وتعاطي للمخدرات بكل أنواعها٬ وتفكك الأسر نتيجة الطلاق و الأمية و البطالة وطغيان أسلوب العنف٬ ومشاكل أخرى كالتشرد والتسول والعدوانية والفردانية لأن الأفراد أصبحوا لا يهتمون إلا بما يخدم مصالحهم الشخصية٬ وكذا الغش و الرشوة و المحسوبية.
وبالتالي أصبحت الحاجة ماسة إلى التربية على القيم و المبادئ الأساسية التي تنظم العلاقات الانسانية بين الأفراد. وتعد المدرسة أحد الأجزاء الأساسية للمجتمع٬ والتي تقوم بفعل التربية و التكوين٬ من أجل تأهيل المتعلم لكي يكون قادرا على الاندماج في هذا المجتمع عبر مجموعة من الوظائف الايجابية والسلوكات المدنية الفعالة. وهذا الهدف الأسمى لن يتحقق٬ في نظرنا٬ إلا باعتماد فلسفة تربوية تقوم على برامج ومناهج حية تستهدف ترسيخ قيم المواطنة و السلوك المدني وقيم حقوق الانسان٬ يكون لها ﺁثار إيجابة على الفرد والمجتمع.
فماهي علاقة التربية بمنظومة القيم؟ وكيف تساهم التربية على قيم المواطنة وقيم حقوق الانسان في تكوين متعلم اليوم٬ وتأهيله ليصبح مواطن الغد؟ وهل يكفي اعتماد هذه التربية القيمية في البرامج و المناهج التعليمية للحكم على سلوك المتعلم بالاستقامة و الصلاح بما يجعله مستقبلا مواطنا صالحا؟ أم أن هناك إجراءات أخرى أساسية إضافة إلى الفلسفة التربوية المعتمدة؟
2.التربية و منظومة القيم : أية علاقة؟
إن القيم ضرورية لتحقيق السعادة للفرد والمجتمع، وتنظيم سلوك الناس، مما ييسر العيش الهادئ الكريم ويحفظ الحقوق، ويمنع الطغيان والاعتداء، فهي تعمل على تحقيق المجتمع المتعاون على الخير، وتجعل المسؤولية بين الفرد والمجتمع تبادلية وتضامنية ومتوازية، تحفظ للجماعة مصلحتها، وقوة تماسكها، وللفرد حريته، وبدون القيم تنحط الجماعة البشرية إلى مرتبة الحيوانية ويكفي ٬للتدليل على ذلك٬ أن نتصور مجتمعا خاليا من الصدق والأمانة، والإخلاص، والعطف على العاجز والفقير، وحب الخير، لاشك أن هذا المجتمع لا يمكن أن يستقيم له أمر من دون وجود تربية على قيم و أخلاق نبيلة.
الصديق الصادقي العماري، فرجة ″هوبي" عند قبائل «ذوي منيع» بتافيلالت، ضمن كتاب مشترك بعنوان: "درعة تافيلالت فنون الفرجة، الأنماط الثقافية والمجتمع"، منشورات جمعية فضاء النخيل للتنمية وتدوين التراث المحلي بالجرف، مطبعة مؤسسة الراوي للتجارة والخدمات، الرشيدية، المغرب، مارس2017، ص ص: 190-2016.
vمقدمة
ارتبطت الثقافة الشعبية في مختلف مظاهرها (الرقص، الموسيقى، التمثيل، الشعر....إلخ) بالدين منذ طفولة البشرية ومهد الفنون، وأن ما نراه اليوم ليس من مبتكرات هذا العصر أو ذاك، وإنما هي أشكال تعبيرية قديمة قدم تعاطي الإنسان للفن واحتياجه إلى التعبير عما يجيش في نفسه من مشاعر وأحاسيس وآمال وطموح وأهواء، غير أن الناس تختلف في النظر إلى وظيفتها: من المتعة الفنية إلى الحقيقة التاريخية إلى ترميم الذات أو الذاكرة، أو وسائل أخرى تؤدي إلى ترقية المجتمع وتطوره بما تحمله من قيم وعادات وتقاليد ومعتقدات
ومن خلال هذه المظاهر يمكن التعرف على صورة المجتمع ومدى تأثير الثقافات الوافدة والبيئة الطبيعية، وما يحب وما يكره من المآكل والمشارب واللباس، والصنائع والحرف، والسلوك والممارسات، وجانب التحولات في العادات والتقاليد والأشكال التعبيرية التي ميزت هذه الثقافة عن تلك، على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الوطني أو على مستوى الأمة.
ومن يغوص في عمق الذاكرة الشعبية لمنطقة تافيلالت يدرك غناها وثراءها بفنونها الأدبية الشعبية وحضورها الدائم في كل التحولات التي شهدها هذا المجتمع أو شهدها العالم عبر مختلف الأحداث، فعبر الناس من خلال هذه الفنون الشعبية عن مواقفهم وذواتهم وهمومهم، وقد نجد فيها ما يماثل بعض المناطق الأخرى، كما نجد فيها ما يخالفها .
والشيء المميز لسكان منطقة تافيلالت، خصوصا قبيلة ذوي منيع، ارتباطهم بالبيئة المحلية ارتباطا وثيقا، وقرب لغتهم من اللغة العربية الفصحى، لأن الفضاء الذي تدور فيه عبِق بروح الصحراء ورائحتها، خاصة في الشعر الشعبي في شكله ومضمونه، وفي تشابه الصور وبناء القصائد: كاعتماد المقدمة الطللية وتشبيب القصائد، وغير ذلك.
غير أن حياة البداوة التي عاشتها هذه القبيلة، وارتباطها بحياة الرعي والترحال، كانت أحد أسباب الحفاظ على كثير من خصوصيات الإنسان العربي في العصور الغابرة (العصر الجاهلي)، كالتزام أفرادها بالقيم العليا أي المروءة؛ من نجدة وإباء الضيم وأنفة وشجاعة وكرم وحسن جوار..، ومحافظتهم على لغتهم ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتوارثهم الشعر أبا عن جد إيمانا منهم بأن الشعر كما كان ديوان القبيلة، فسارعوا إلى حفظه وتغنوا به في مناسبات كثيرة، فكشفوا به عن الطموح والآمال التي كانوا ينشدونها، واعتمدوا في نظمه إيقاعا دقيقا قائما على طرائق مختلفة لها مسمياتها، وكانت تشهده ليالي سمرهم، واحتفالات زواجهم، وخاصة بعد رقصة هوبي المفضلة.
إن الحديث والخوض في التراث الثقافي للفرجات الفيلالية يرتبط باستحضار «تافيلالت» العريقة بوصفها فضاء ثقافيا رحبا له امتداداته التاريخية والجغرافية الضاربة في عمق التخوم الجنوبية الشرقية للمغرب. فالفرجات الفيلالية، مثلها مثل الفرجات الإنسانية بشكل عام، تتخذ أنماطا وأشكالا وصيغا متنوعة، وتتمظهر في شكل طقوس وشعائر أو احتفالات أو أعياد، كما يمتزج فيها الرقص بالغناء والإنشاد، وتعتمد اللغات والوسائل التعبيرية بما فيها الكلمة سواء كانت حكيا أو شعرا أو زجلا، إضافة إلى الإيقاع والجسد.
ورقصة هوبي أحد مظاهر هذه الأشكال التعبيرية الشعبية التي تشكل جزءا هاما في المنظومة الفكرية للإنسان، كغيرها من الأشكال الأخرى (الشعر، الأمثال، الألغاز، الرقص، الأغاني، الأناشيد، الحكايات، الأساطير، العادات، التقاليد، و غيرها من الصنائع والحرف واللباس وطرق الأكل، والشعائر وما يرافقها من طقوس..)، التي تحدد الأسس العقائدية والمعرفية والثقافية والتاريخية والأيديولوجية التي راهن عليها الإنسان منذ القديم، والتي بدأت ملامحها مع بداية الإنسان، وتشكل المجتمع في أي منطقة، ثم تطورت بتطور هذا الإنسان حتى اكتملت في صورتها المعروفة اليوم. فما هي أهم مميزات وخصائص قبائل ذوي منيع بتافيلالت؟ و من أين تستمد رقصة هوبي مقوماتها الفرجوية؟ و أين يتجل الحضور الفرجوي لرقصة هوبي؟ وما هي أبعاده وامتداداته المجتمعية والثقافية على وجه الخصوص؟
هذه الأسئلة وغيرها سأحاول الإجابة عنها من خلال مقاربة فرجة رقصة ″هوبي" المتجذرة في تاريخ منطقة تافيلالت.
العنوان: كراسات تربوية المدير المسؤول: الصديق الصادقي العماري الإيداع القانوني: 2013MO1879 الترقيم الدولي: 978-9954-32-363-2 تصميم الغلاف: نورا إزم الطبع: مطبعة بنلفقيه3 زنقة الحريةالرشيدية الهاتف/الفاكس: 0535573231 الطبعة: يونيو 2013 |
التقديم
عندما وضعت وزارة التربية الوطنية مخططا استعجاليا لتسريع تطبيق إصلاح منظومة التربية والتكوين ورصدت له إمكانيات مالية مهمة، كانت تستهدف-كما ذكرت الوزارة رسميا– النهوض بالتعليم في جميع أسلاكه عن طريق الاهتمام بالبنية التحتية للمدارس وبالموارد البشرية...ولذلك سعى المخطط الاستعجالي إلى وضع ثلاثة أوراش نوعية: الورش الأول يروم تفعيل إلزامية التعليم العمومي لجميع الأطفال المغاربة إلى غاية استيفائهم الخامسة عشرة من العمر. الورش الثاني يهم التعليم ما بعد الإلزامي ويهدف إلى منح فرص متساوية لكل الشباب المغاربة من أجل تحقيق ذواتهم والتعبير عن قدراتهم سواء في التعليم الثانوي أو الجامعي أو في التكوين المهني. أما الورش الثالث فيهم منظومة التعليم ويهدف إلى إعادة الاعتبار لمهنة التدريس وتجديدها والرفع من كفايات التحكم...
ومع ذلك فشلت بلادنا في بناء تعليم عصري فعال..فما أسباب هذا الفشل؟
لايمكن
تشخيص سبب بعينه أو مجموعة من الأسباب بجرة قلم خصوصا عندما يتعلق الأمر بقطاع
معقد تتداخل فيه اعتبارات كثيرة كقطاع التربية والتعليم. لكن يمكن ملامسة بعض
الجوانب دون غيرها باعتبار الاجماع حول أهميتها، ولذلك فإن تشخيص عوامل وأسباب فشل
منظومتنا التربوية أهم– في الوقت الحالي– من المطالبة بإيجاد بدائل، كما يفعل
أنصار بيداغوجيا الإدماج الذين يطالبون بوضع بديل لها وكأن الأستاذ المدرس توقف عن
العمل بعد إلغائها وجلس ينتظر تقديم بديل يشتغل على ضوئه.
إذا عدنا إلى التقرير الذي قدمه المرحوم بلفقيه إلى الملك محمد السادس حول وضعية التعليم ببلادنا في 2008 سنجد التركيز على أمور تحققت لا تمس جوهر الإشكالية التعليمية ببلادنا من قبيل تعميم التعليم بنسبة وصلت إلى 94 بالمائة وتقليص فوارق التمدرس بين الوسطين الحضري والقروي وبين الذكور والإناث...لكن واقع الجودة وربط التعليم بسوق الشغل– وهو الأهم - مازال يعرف خللا لم تتمكن المنظومة من تداركه.
يمكن لاصلاح البنية التحتية للطرقات المغربية أن يساهم إلى حد كبير في الحد من حوادث السير، لكن في مجال التربية والتعليم لا يكتسي إصلاح وترميم وحتى بناء مدارس جديدة طابعا حاسما في عملية الاصلاح، لأن الاصلاح المنشود يتحقق من داخل المنظومة التكوينية التعليمية بإصلاح البرامج والمناهج والتقويم...بشكل يستجيب لحاجيات المتعلمين بعيدا عن إعادة إنتاج نفس النمط بفعل العنف الرمزي وممارسة التعسف الثقافي والذي ينفر بعض التلاميذ من المدرسة ككل مما يدفعهم إلى مغادرتها.
وذلك فمن أسباب فشل الاصلاح التربوي الأخير أنه راهن على البنية التحتية وعلى لغة الأرقام وهمش الأهم وهو ما يرتبط بالجودة والبرامج والمناهج وطرق التقويم التي ترك أمرها لمن سماهم خبراء يقدمون حولها عروضا وندوات أشبه بتلك الندوات الثقافية التي يقدمها نقاد حول الشعر أو الرواية وهم لم يقرؤوا إلا قصائد وروايات تعد على رؤوس الأصابع.
وهذا أمر طبيعي ومتوقع ما دمنا قد أسندنا أمر إصلاح منظومتنا التربوية لأناس تقنوقراط من خارج الدار يتقنون الإحصاء ووضع الأرقام أكثر من إتقانهم لأسرار ومشاكل المهنة.
لقد تم اختزال إشكالية التعليم ببلادنا في مقاربات عددية يلجأ إليها جميع الوزراء الذين أسندت إليهم حقيبة التعليم، فيتم اللجوء إلى أرقام وبيانات حول عدد التلاميذ المسجلين ونسب الناجحين...حتى أضحت الأكاديميات والنيابات تتنافس، ليس من أجل الجودة والمردودية التعليمية، وإنما من أجل الحصول على المراتب الأولى في أعداد الناجحين والحال أن الجميع يعرف السبل التي يمكن أن يسلكها مدير لرفع نسبة الناجحين في مدرسته.
هل لنا أن نحلم–يوما- بوزير للتعليم يخرج علينا، بعد الامتحانات، ليقول لقد تراجعت نسبة النجاح هذه السنة مقارنة بالسنوات السابقة وسنعكف على تشخيص هذا الواقع ؟
إن المراهنة على لغة الأرقام التي تروم رصد الكم وإهمال لغة الكيف المتمثلة في جودة البرامج والمناهج وطرق التدريس والتقويم التربوي لن تقود منظومتنا التربوية سوى إلى مزيد من الاحباطات والفشل. لقد آن الأوان للالتفات إلى نظام التقويم الاشهادي ونوعية المعارف والمهارات والقيم التي تقدمها المدرسة المغربية للمتعلمين في ظل الميثاق الوطني، ولنستحضر–مثلا المشاكل التربوية التي أفرزها نظام الامتحانات في الثانوي التأهيلي (جهوي/وطني) ومعه نقطة المراقبة المستمرة.
أخي القارئ أختي القارئة أمام كل هذه الصعاب والمشاكل التي لازال نظام التربية والتكوين يتخبط فيها، وأمام المجهودات التي يسعى الجميع إلى بذلها، من أجل رصد الاختلالات الكبرى التي تواجه الإصلاح التربوي المغربي، جاءت فكرة إحداث مجلة تعنى بقضايا التربية والتكوين وخاصة القضايا التي تستقطب جل الممارسين للفعل التعليمي التعلمي والمتتبعين المهتمين. هذه المجلة التي قد يتساءل البعض حول الجديد الذي جاءت به، فالجديد ليس من حيث المواضيع وطبيعة المعلومات أو حتى نوع الإشكال، وإنما في كونها تتيح الفرصة للعديد من السادة الأساتذة وغيرهم من المديرين والموجهين والإداريين من أجل المشاركة بكل حرية، وهو ما ينعدم في المجلات الأخرى التي تنتقي الكتاب والمواضيع، ليس من حيث الجودة، أحيانا، وإنما بدافع الاحتكار والسيطرة على الساحة التربوية المغربية.
بالنسبة لنا أن يحاول الأستاذ الممارس، أو المدير، أو الموجه، أو رئيس مصلحة تربوية، ترجمة ظاهرة تربوية يرى أنها في حاجة إلى جلب الانتباه والتفحص من قبل المهتمين والمفكرين، أحسن من أن نمرر مفاهيم وعلاقات بين المفاهيم منظومة في سياق منغم، قد تكون له أهميته لكن لن تصل إلى مكانة ذلك المناضل الذي يعايش الظواهر التربوية والملازمة للاجتماعية منها في تفاعل مستمر.
على العموم، نحن نرحب بكل المساهمات والمشاركات الفعالة التي تلامس جوهر إشكال منظومة التربية والتكوين، وتحاول أن تقدم حلا لها بما ينعكس إيجابا على وضعية المتعلم، الذي نسعى جميعا إلى تربيته وتكوينه من خلال تأهيل شخصيته لكي يكون مواطنا صادقا وفاعلا مع ذاته ومع المجتمع.
ختاما، نحن في ''كراسات تربوية'' رئيسا وطاقم تحرير سنحاول جاهدين أن ننتقي لكم من القضايا والمشاكل التربوية التي تستجيب لحاجاتكم وتجعلكم بشكل مستمر على صلة كبيرة بمستجدات الساحة التربوية. وأود الإشارة إلى أن المجلة ستصدر بشكل دوري كل ستة أشهر من قلب مدينة الرشيدية، لكن بمساهمات كل المهتمين بقضايا التربية والتكوين من كل بقاع المملكة المغربية الحبيبة. لدى نهيب بالجميع المساهمة من أجل إنجاح هذه التجربة الرائدة.
الصديق الصادقي العماري
مدير كراسات تربوية
صدر كتاب جديد بعنوان: ديناميات الثقافة في المسرح (من المثاقفة إلى التناسج الثقافي).
للمؤلف: الصديق الصادقي العماري
منشورات مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بمدينة فاس
غشت 2021
صدر للباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا "الصديق الصادقي العماري"، كتاب بعنوان: ديناميات الثقافة في المسرح (من المثاقفة إلى التناسج الثقافي). عن منشورات مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بمدينة فاس، المملكة المغربية، غشت 2021. الكتاب عبارة عن رؤية سوسيوأنثروبولوجية للظاهرة المسرحية، خاصة ما يتعلق بالجانب الثقافي منها، باعتبار الثقافة عابرة للقارات والحضارات. فالباحث الصديق الصادقي العماري، مدير ورئيس تحرير مجلة كراسات تربوية العلمية المحكمة، وهو عضو في لجن علمية لمجلات وطنية ودلية، وباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا كتخصص رسمي علمي أكاديمي، ومنفتح على تخصصات أخرى في دراسته الأكاديمية منها الفلسفة واللغة العربية.
تقديم
عرفت الثقافة مكانة جد متميزة في الأبحاث والدراسات على اختلاف أنواعها وتوجهاتها وتخصصاتها، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي وثقافي في الآن نفسه، وبهذا يتميز بالتفاعل عبر علاقات اجتماعية متعددة مع الآخر المشابه أو المختلف، مما يؤدي إلى ثراء الخبرة والتجربة التي تساعد على التجديد والتحول في طريقة التفكير ونمط العيش وأسلوب الحياة، وخلال هذا التفاعل يتم إكساب العديد من النماذج والأشكال الثقافية بين الطرفين، الأمر الذي يدفعنا للقول بعدم وجود ثقافة خالصة، وإنما هناك تداخل وتقاطع وتفاعل بين الثقافات.
لكل ثقافة هوية، ولكل هوية جوهـر تعبر عنه خصوصيات متفـردة، وتنبثـق منه قيم
سامية ومثـل عليا، هي عنوان الأصالة والعراقة اللتين هما القواعد الراسخة للثقافة، والقواسم
المشـركة بـين الثقافات الإنسانية جميعا، مها تكن سماتها وقسماتها وطوابعها، ومها
تتعدد مصادرها ومنابعها وروافدها. كما أن لكل أمة ثقافة تعبر عن كينونتهـا، وتعكس
طبيعتها، وتسجل عطاءاتها المتراكمة عبر التاريخ الطويل، فتجعل منها أمة ذات
خصوصيات تميزها عن الأمم الأخرى. وكذلك هي الثقافة في تميزها عن الثقافات السائدة،
سواء في الزمن الواحد، أو في أزمنة متطاولة، وإن كانت تأخذ عنها، وتقتبس منها،
وتتلاقح معها، فتتقارب، وتتحاور، وتتفاعل بطرق متباينة، فتكتسب قوة في المناعة، وقدرة
على التناغم مع البيئة، وعلى التكيف مع المحيط الإنساني العام، وتلك هي طبيعة
الثقافة لدى أي أمة من الأمم، وفي كل عصر من العصور.
.
أما بخصوص المسرح، منذ نشأته سعى إلى مد جسور التواصل بين الثقافات الإنسانية، في أفق التأسيس لمسرح كوني يروم العالمية ويختزل الخصوصية، أو صنع مسرح عالمي ينطق بلغات متعددة، وذلك نتيجة التبادلات الثقافية والحضارية بين الشعوب، التي تجاوزت الحدود الجغرافية وحتى الثقافية. قد أصبح المسرح مجالا وفضاء لتفاعل وتداخل مختلف الفرجات الإنسانية، وأرضية للتبادل والتأثير والتأثر، مما جعل منه ظاهرة ثقافية بامتياز، وبهذا، يصبح مجالا للانفتاح على الآخر المختلف والمغاير، لذلك، "ليس ثمة من مسرح مكتف بذاته كليا. وهذا دليل على أن المسرح من حيث هو أب للفنون، هو في حقيقته جنس هجنة بامتياز، إنه مجمع الفنون كلها، ومعبر لتفاعلها وتناسجها"[1].
التربية والتنميية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجية
ردحذفكتاب مشترك تحت عنوان:
ردحذفديناميات وتحولات المجتمع المغربي
-دراسات سوسيولوجية و أنثروبولوجية-
تنسيق وتقديم:
الصديق الصادقي العماري
ورشيد الزعفران
عن مطبعة الرباط نت
أبريل 2020
التربية على المواطنة وحقوق الإنسان مشروع تكوين مواطن الغد
ردحذفالصديق الصادقي العماري
المصدر: مجلة علوم التربية، العدد: 59،
المطبعة: مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء،
السنة: أبريل 2014.
الصفحات: ص ص 30-39
فرجة هوبي عند قبائل ذوي منيع بتافيلالت pdf
ردحذفالكاتب: الصديق الصادقي العماري
كتاب مشترك بعنوان:
ردحذف''كراسات تربوية''
تأليف: الصديق الصادقي العماري وآخرون