كتاب جديد بعنوان: واحات زيز وغريس -المجال والإنسان والمجتمع- تنسيق: الصديق الصادقي العماري و رشيد الزعفران
كتاب جديد بعنوان:
واحات زيز وغريس -المجال والإنسان والمجتمع-
تنسيق:
الصديق الصادقي العماري، و رشيد الزعفران
مطبعة شمس برانت. سلا المغرب، غشت2021
تقديم
بناء على ذلك، يمكن القول بأن مناطق الحياة ونواة العمران، بالواحات الصحراوية لم تخرج عن هذه القاعدة، حيث استقر إنسان الصحراء عند منابع المياه والوديان، واعتبرها محطات مهمة في حله وترحاله، فكانت همزة وصل بين المناطق، ومحطات ربط وعبور بينها، كما هو الحال مع واحات زيز وغريس وكير ودرعة وتوات...إلخ. وعلى الرغم من أن الماء كان عنصرًا أساسيا في استقرار إنسان هذه المجالات، إلا أن هذا لا ينفي تظافر عاملين آخرين كان وراء استقرار سكان الصحراء وهما: توفر الأراضي الخصبة -رغم محدوديتها- من جهة، وتدافع القبائل (الحرب) من جهة أخرى.
لقد كان هذا الوضع مستمرًا بهذا الشكل إلى حدود بداية القرن العشرين في جل المناطق الصحراوية وما قبل الصحراوية. ورغم دوامها نسبيا إلى حدود اليوم، إلا أنها عرفت الكثير من التحولات الجدرية أحيانًا، بسبب التغيرات والتحولات التي همّت شتى الجوانب المجالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذه المناطق، فقد ساهمت عوامل عديدة في انخفاض نسبة البدو وتغير نمط العيش في الواحات، إذ رغم استمرار بعض القبائل في حياة البداوة واستقرار الكثير داخل الواحات في الجنوب والجنوب الشرقي المغربيين، إلا أن نمط الحياة وأساليب العيش شهدت تبدلا ملحوظا أثر بشكل كبير على عمق الإنسان الصحراوي وبنياته وعلاقاته المختلفة.
ويقدم أحمد أبو زيد صورة مختصرة عن تاريخ الصحراء، في طرافة إهداءين لمستكشفين خبروا الصحراء عن قرب، وهما تيودور مونو(Theodore Monod) وجان لارتوجي (JEAN LARTUGY)، فحين كتب تيودور مونو المكتشف الشهير الذي جاب الصحراء الأطلنتية كتابه عن "الهجانة" « Méharées » أهداه إلى "الجمل والماعز، الدابة والوعاء"، الحيوانان الوحيدان اللذان أمكن لهما تدليل الصحراء، وكان ذلك في عام 1937، وبعد ذلك بعشرين سنة أي سنة 1957 أصدر جان لارتجي كتابه "الصحراء في سنة واحدة" فأهداهُ إلى "سيارة الجيب وطائرة الدراكونا اللتين أيقظتا الصحراء من نومها الطويل وغيرتا كل أسلوب حياتها"، وهذان الإهدءان يلخصان كل قصة الصحراء ويقدمان صورة واضحة لها عن حياتها في الماضي والحاضر كما يعطيان فكرة (طيّبة) عن واقع الصحراء والتغيرات الهائلة التي حدثت فيها[6].
وإذا كانت بلاد الصحراء والواحات، مغريًة وجذابًة قديمًا للرحالة والمستكشفين والباحثين زمن ازدهار وساطتها التجارية بين فاس وتنبكتو وبلاد السودان بوجه عام، فإن الإقبال على الواحات والمراكز الحضرية الناشئة فيها بحثًا ودراسةً، بدأ اليوم يعرف اهتماما ملحوظا من طرف الباحثين، نظرا لما تواجهه من مشاكل وتحديات طبيعية وبشرية كالجفاف، والهجرة والتحضر، ونظرا أيضًا، لما تتمّيز به من عناصر تاريخية ومقومات ثقافية وخبرة طويلة في تدبير المعاش والمجال، مكنت إنسانها من مواجهة تحدياتها المختلفة.
في هذا السياق، يأتي هذا العمل الجماعي من أجل التفكير في مجتمع الواحة، وثقافة أهل الواحة، والإكراهات المختلفة التي تواجهها المجالات الواحية، وكذا مداخل المحافظة على كل ذلك المشهد الطبيعي والثقافي، والرصيد الإنساني المشترك، بتثمينه وتطويره في سبيل استدامته وتنميته.
بقي أن نشير في الأخير، إلى أن اهتمامنا بمعية الباحث الصديق الصادقي العماري، في هذا العمل بواحات زيز وغريس بعد عملنا السابق[7]، استدعاه سببين أساسيين: يتمثل الأول في رغبتنا في تسليط الضوء على أكبر واحتين متجاورتين ومتشابهتين ثقافيا وقبليا بالجنوب الشرقي المغربي، ثم لكون الكثير من التحديات التي تواجهها هاته الواحات تمثل بشكل أو بآخر، صورة ميكروسكوبية لغيرها من الواحات المغربية.
رشيد الزعفران
باحث في علم الاجتماع
[1]Pline l’Ancien, Histoire naturelle, Livre XXXI. Texte établi et traduit par G. Serbat (Paris: Les belles lettres, 1972), XXXI, p: 4.
[2] أيت أومغار (سمير)، المدن وسبل مكافحة خطر الفيضانات في شمال أفريقيا خلال المرحلة الرومانية، مجلة هيسبريس تمودا، العدد 54، 2019، ص65-66.
[3]للتوسع في أنماط العيش البدوية، أنظر دحمان (محمد)، الترحال والاستقرار بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، مطبعة كوثر برانت الرباط، 2006، ص 20 وما بعدها.
[4]Sadki, (Aba), Urbanisme et conservation du patrimoine présaharien cas des Ksour du Tafilalet (province d’Errachidia ), Mémoire du 3eme cycle pour l’obtention du Diplôme des études supérieures en aménagement et Urbanisme, encadrée par, Ayad, Mostapha, I.N.A.U, Rabat juillet 2003.
[5]Gélard (Mrie- luce) ; « de la tente à la terre , de la terre au ciment ; persistance et permanence de la tente dans un village de sédenterisation (Merzouga, Maroc) socio-anthropologie, archéo-anthropologie funéraire, sous la direction de Michel signoli, N°22 , 2008 varia, (pp 123-143).
[6] أبو زيد (أحمد)، "قصة الصحراء"، مجلة عالم المعرفة، العدد 3، 1 أكتوبر 1986، ص 1.
[7]الزعفران رشيد، والصديق الصادقي العماري، ديناميات وتحولات المجتمع المغربي: دراسات سوسيولوجية وأنثروبولوجية، مطابع الرباط نث، أبريل 2020.
..........................
#الصديق_الصادقي_العماري(هاشتاغ)
......................
موقع الأستاذ الصديق الصادقي العماري
212664906365+
adkorasat1@gmail.com
كتاب جديد بعنوان: واحات زيز وغريس -المجال والإنسان والمجتمع- تنس
ردحذفإن الإنسان على مر تاريخه بنى حضاراته على نقاط الماء، ذلك أن المياه كانت شرطا أساسيًا لنشأة المدن بحسب بلينيوس الشيخ (Caius Plinius Secundus)[1]؛ أي أن الأنوية السكنية الأولى تؤسَس غالبًا في مجال مرتفع شيئا ما عن المجرى المائي لا في جواره المباشر، تجنبا لخطر الفيضانات. ثم ما لبث الإنسان شيئا فشيئا، يبني بيوته تدريجيًا في القطاعات المعرضة لخطر الفيضانات الموسمية[2].
ردحذفلقد كان هذا الوضع مستمرًا بهذا الشكل إلى حدود بداية القرن العشرين في جل المناطق الصحراوية وما قبل الصحراوية. ورغم دوامها نسبيا إلى حدود اليوم، إلا أنها عرفت الكثير من التحولات الجدرية أحيانًا، بسبب التغيرات والتحولات التي همّت شتى الجوانب المجالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذه المناطق، فقد ساهمت عوامل عديدة في انخفاض نسبة البدو وتغير نمط العيش في الواحات، إذ رغم استمرار بعض القبائل في حياة البداوة واستقرار الكثير داخل الواحات في الجنوب والجنوب الشرقي المغربيين، إلا أن نمط الحياة وأساليب العيش شهدت تبدلا ملحوظا أثر بشكل كبير على عمق الإنسان الصحراوي وبنياته وعلاقاته المختلفة.
ردحذف