برنامج فنون الفرجة الشعبية الحلقة7: فرجة احتفالية أحيدوس بالجنوب الشرقي

برنامج فنون الفرجة الشعبية

 إعداد وتقديم: الصديق الصادقي العماري

  إذاعة صوت ورززات

  الحلقة7:  فرجة احتفالية أحيدوس بالجنوب الشرقي 

ضيف الحلقة: الدكتور سعيد كريمي

 الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية،

 تخصص المسرح وفنون الفرجة

توطئة

  يحتل الرقص حيزا مهما في فرجة أحيدوس، وقد ركز عدد من المتلقين اهتمامهم على هذا الجزء للتعبير عن أحيدوس بكونه رقصا، ويستوي في ذلك المتلقي المغربي وغير المغربي، والأكاديمي بالباحث الصحفي أو الهاوي، والممارس بالمكتشف، هكذا يؤسس الرقص لمركزية فنية، باعتباره بطاقة لمركزية الثقافة البصرية الهادفة إلى استهلاك الجسد وما عليه من ألبسة، وزينة وحلي.. فيكرس هذا الفهم ثقافة استهلاكية للجسد الذي يستعلن في استعراض الانسان باعتباره أنموذجا للموضا Mannequin، وتحويله إلى أنموذج إيروسي، فيكون ذلك سبيلا للتأسيس لمركزية العهر التي ترى أحيدوس رخصة الاستمتاع بالجسد الماثل أمام المشاهدين في حركاته المفجرة لجماله.


 فتحولت كلمة "الشطيح" ذات الصلة بالمقدس باعتبارها شكلا من أشكال الاتصال الصوفي بالطوطم، إلى الاستعراض الهادف إلى الإثارة والإغراء والغواية، وفي مرتبة دون الرقص، لأن الرقص هو الآخر تعرض لتقزيم بتأثير المركزية الفنية الأورو-أمريكية من جهة، والثقافات الهند-الصينية والعربية من جهة ثانية.

والحقيقة أن أحيدوس ليس رقصا رغم توفره على مقاطع من الرقص، أو غلبة الرقص على بعض الألوان منه، لأنه يتضمن عناصر أخرى غير الرقص، وقد قال سعيد كريمي في ذلك: "وأحيدزس ليس فقط هو الرقص، بل أساسا الغناء المصاحب لمجموعة من الرقصات المحددة والمضبوطة، والمقننة، والحاملة لمجموعة من المعالم والدلالات، وقد يشكل عنصر من عناصره  بؤرة دلالية لدى بعض المتلقين، فيتخذونه عماد توصيف آخر، كم عبر الشاهد السابق على مركزية الرقص والغناء معا في تناغم خاص لخلق نصية أحيدوس. 


ولقد فرضت الثقافة الفرجوية مركزيتها في قراءة الأشكال التعبيرية وتلقيها، وفي حالة الرقص الأمازيغي –حسب محمد صبري- يستطيع المتفرج، انطلاقا من الوهلة الأولى، وصفه وصفا بصريا، لكنه يبقى وصفا إيطوبيا في غياب القاموس الثقافي الذي يؤطر هذا النص، والذي يساهم بشكل أساسي في الخطاب القولي وغير القولي، فيؤهله لإعطائه قراءة تأويلية تتناسب وفهمه له، ولذلك فالرقص مبحث هام لدراسة هذا الشكل التعبيري ومنطلق أساسي لاستجلاء العناصر الفرجوية التي يتضمنها، خاصة أنه يشكل ذاكرة لحركات وإيماءات تمثل جسد لغة غير منطوقة، حروفها الجسد والعزف والإيقاع.

لا يكون أحيدوس إلا بالغناء والموسيقى والعزف، فتستعمل في ذلك آلات خاصة، ويرتجل الشعر الذي يعد عماد الغناء، لكنه يحتفظ بإيقاعات خاصة يصعب التمييز فيها في حالات، ويسهل ذلك في حالات أخرى لأنه اسم واحد لتعبيرات مختلفة، بحيث يكون لسان مجموعات اجتماعية، وإذا كان الغناء عنصرا أساسيا في أحيدوس فإنه لا يمثله في كليته،بل تربط بينهما علاقة مجازية يستعمل فيها الجزء ويراد الكل، ولاشك أن الباحث المتمرس في هذا الميدان، سيقف عند أنواع مختلفة من أحيدوس، يتم التمييز فيها بناء على المواضيع المتناولة وطرق الأداء.

ولذلك فلا شك أن أحيدوس أقورار (الجاف)أو أخاثار (الأكبر)، يعبر عن فئة الكبار من أهل الحكمة والوقار، وهو الذي تتخذ له أزياء خاصة ولا يقف لأدائه إلا المتمرسون في الشعر الأمازيغي وفي ضبط الايقاع وحسن الحركة، واللياقة في الرد على الخصوم بعد فك شفرات أشعارهم، ولا يقف إليه من النساء إلا ذوات الفصاحة في القول والنباهة في فنون الأداء الأمازيغية حتى لا تسقط الجودة في براثن الضحالة، عكس تاحيدوست أي أحيدوس الصغير الذي يتفنن فيه الشباب والمبتدؤون ويجوز فيه ما لا يجوز في أحيدوس أخاثار، حتى في مواضيعه التي قد يحتل الغزل والعذل والإغراء أهم حيز من كلماته، وتقف إليه العذارى في الغالب لأنهن الأمثل لتبادل رسائل الحب المشفرة بالحركات والإيماءات والكلام الشعري في هذا النوع من أحيدوس.


هكذا يختلف أحيدوس غناء وشعرا وموضوعا بين نوع الكبار ونوع الصغار، ولعله في ذلك يتجاوز حدود اللعب بمفهومه المعتاد، ليصبح متنا من متون المعرفة الأمازيغية.



تعليقات

  1. رنامج فنون الفرجة الشعبية

    إعداد وتقديم: الصديق الصادقي العماري

    إذاعة صوت ورززات

    الحلقة7: فرجة احتفالية أحيدوس بالجنوب الشرقي

    ضيف الحلقة: الدكتور سعيد كريمي

    الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية،

    تخصص المسرح وفنون الفرجة

    ردحذف
  2. أحيدوس ليس رقصا رغم توفره على مقاطع من الرقص، أو غلبة الرقص على بعض الألوان منه، لأنه يتضمن عناصر أخرى غير الرقص، وقد قال سعيد كريمي في ذلك: "وأحيدزس ليس فقط هو الرقص، بل أساسا الغناء المصاحب لمجموعة من الرقصات المحددة والمضبوطة، والمقننة، والحاملة لمجموعة من المعالم والدلالات، وقد يشكل عنصر من عناصره بؤرة دلالية لدى بعض المتلقين، فيتخذونه عماد توصيف آخر، كم عبر الشاهد السابق على مركزية الرقص والغناء معا في تناغم خاص لخلق نصية أحيدوس.

    ردحذف
  3. ولقد فرضت الثقافة الفرجوية مركزيتها في قراءة الأشكال التعبيرية وتلقيها، وفي حالة الرقص الأمازيغي –حسب محمد صبري- يستطيع المتفرج، انطلاقا من الوهلة الأولى، وصفه وصفا بصريا، لكنه يبقى وصفا إيطوبيا في غياب القاموس الثقافي الذي يؤطر هذا النص، والذي يساهم بشكل أساسي في الخطاب القولي وغير القولي، فيؤهله لإعطائه قراءة تأويلية تتناسب وفهمه له، ولذلك فالرقص مبحث هام لدراسة هذا الشكل التعبيري ومنطلق أساسي لاستجلاء العناصر الفرجوية التي يتضمنها، خاصة أنه يشكل ذاكرة لحركات وإيماءات تمثل جسد لغة غير منطوقة، حروفها الجسد والعزف والإيقاع.

    ردحذف
  4. ظهر فن أحيدوس الغنائي في منطقة الأطلس المتوسط منذ عصور خلت. وهو الفن الذي ارتبط منذ بزوغه في الوسط الطبيعي والجغرافي لإنسان الأطلس المتوسط حيث، الغابات والمياه والأغراس والجبال والمنتجعات الغنية بالخضرة والمنابع. وكان هذا الفن الذي ظهر أول ما ظهر في شكله الدائري قوامه النساء والرجال على حد سواء وفي شكله النصف دائري، تعبيرا عن الأفراح والمسرات والفرحات الجماعية التي تواكب إحياء الإنسان لحياته الجبلية والزراعية في سهول وتخوم الأطلس المتوسط.
    ويعرف أحيدوس عادة بالرقصات والتعابير الجسدية الجماعية التي نجدها في بعض الأحيان حتى في المناطق التي لا تتكلم ساكنتها الأمازيغية، إلا أن الباحثين والمهتمين والدارسين يجمعون على أن موطنه الأصلي هو الأطلس المتوسط، المجال الطبيعي والجغرافي الذي تكتمل فيه العناصر المكونة له من شعر وغناء ورقص وإيقاع.
    يعتبر البندير (أو الدف) " تالونت " الآلة أو الأداة الموسيقية الوحيدة المستعملة في الإيقاع وترافقه بالدق على الأكف أصوات نسائية ورجالية في شكل دائري متماسك قوامه الأكتاف تارة والأيدي تارة أخرى ويصمم لرقصاته وأداءاته رئيس الفرقة أو المقدم في لوحات متناسقة موسيقيا وحركيا.

    ردحذف
  5. تستقى أشعار أحيدوس وكلماته من الحياة اليومية التي يحياها ويعيشها الإنسان الأطلسي وتتعدى هذا المجال الجغرافي في بعض الأحيان لتشمل بعض الأحداث الوطنية والجهوية والدولية. يبلغ عدد الفرق المنخرطة في هذا الفن بالمملكة المغربية إلى ما يفوق 80 فرقة يشكل فيه العنصر الشاب العمود الفقري.ويعتبر موحى الحسين أشيبان المعروف بلقب المايسترو أحد أشهر مؤدي رقصة أحيدوس في المغرب.

    ردحذف
  6. يكاد يكون فن "أحيدوس" أعرق أشكال الفرجة الموسيقية والغنائية في المغرب، لسببين أولهما امتداد الحضور الأمازيغي في التاريخ المغربي لـ33 قرناً، وثانيهما هو ارتباط هذا الفن بالحياة اليومية للأمازيغيين الذين سكنوا بغالبيتهم في جبال الأطلس، حيث الحياة البرية بكامل نضارتها، والأعالي التي تمنح الصدى لمواويلهم وأهازيجهم. كان هذا الفن، ولا يزال بالطبع، بمثابة المتنفس العائلي للناس بعد تعب الأشغال البيتية والفلاحية، والمرافق الدائم لاحتفالاتهم الدينية والاجتماعية على السواء، من أعراس وأعياد ومواسم فلاحية.
    تقوم أغاني أورقصات "أحيدوس" على مبدأ الأداء الجماعي، امتداداً لأسلوب الحياة الأمازيغية نفسها. فأشكال الاحتفال شبيهة بطرق الزراعة والعبادة، تقام بالأساس بشكل جماعي. ويمكن الوقوف عند ظاهرة "تويزة" في الحياة الفلاحية والاجتماعية عند الأمازيغ، إذ يجتمع أهل القرية لحراثة أرض أحدهم، ثم ينتقلون جميعاً لحراثة أرض شخص آخر، وهكذا إلى أن يكونوا قد قاموا بالعملية ذاتها على كل الأراضي بشكل جماعي. ولا يتوقف هذا العمل التضافري على الفلاحة فحسب، بل يمتد إلى بناء المساجد والمنازل والإعداد للمناسبات وتقديم العون للمحتاجين.
    هذه الروح التضامنية تتجلّى أيضاً في عملية تشابك أيدي أعضاء الفرقة وهم يؤدون رقصاتهم الدائرية أو التقابلية. وفي هذا المشهد، دلالة على أن الأداء الجيد يحتاج إلى التآزر. ويبدو للمتفرج كما لو أن الأمازيغيين وهم يتشابكون بالأيدي كأنما يتقاسمون تلك الطاقة التي تدفعهم جميعاً إلى الرفع من مستوى الأداء سعياً نحو فرجة أكثر.
    ثمة فلسفة أخرى تقوم عليها "أحيدوس" وهي حضور النساء في الفرق الفنية بالقدر ذاته تقريباً الذي يحضر فيه الرجال، فالمرأة في الحياة الأمازيغية لا توجد خلف الرجل، بل معه، وأحياناً تكون في الواجهة. لذلك نراها تقف في الصف ذاته مع الرجل على خشبة العرض أو في الساحات العامة التي تُعرض فيها ألوان الفولكلور. ترتدي النساء قفاطين موحدة، غالباً ما تطغى عليها ألوان البهجة والفرح، تلك الألوان المستمدة من الحقول: الأخضر، الأحمر، الأصفر والأبيض. أما الرجال، فيرتودن في الغالب الجلابيب البيضاء مع عمامات من اللون ذاته. ينتعل مؤدي "أحيدوس" بلغة صفراء أو بيضاء ويتوسّم خنجراً من الفضة.

    ردحذف

إرسال تعليق

يمكنكم كتابة تعليق كقيمة تفاعلية مع الموضوع: إضافات، أو تساؤلات، أو انتقادات علمية، أو توجيهات، أو ملاحظات....

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

إعلان طلبات النشر في مجلة كراسات تربوية. العدد (13) فبراير 2024

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي بعنوان: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

مجلس تدبير المؤسسة آلية للتأطير والتدبير التربوي والإداري

خلاصات

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي -أسس وقضايا-

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

قراءة في كتاب: ديناميات الثقافة في المسرح: من المثاقفة إلى التناسج الثقافي. للدكتور الصدّيق الصادقي العماري

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

إعلان خلاصات2

مشاركات

قراءة في كتاب: ديناميات الثقافة في المسرح: من المثاقفة إلى التناسج الثقافي. للدكتور الصدّيق الصادقي العماري

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

إعلان خلاصات3

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

خلاصات أخرى

المشاركات الشائعة

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

إعلان خلاصات4

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

pub3