قراءة في كتاب بعنوان: الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب


قراءة في كتاب بعنوان :

الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب

المؤلف: حسن علاوي


أنجز القراءة:

الصديق الصادقي العماري

باحث في علم الاجتماع

 

تقديم

صدر للأستاذ حسن علاوي كتاب من الحجم المتوسط ، بعنوان: "الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغربمن مطبعة بلال بمدينة فاس في يوليوز 2020، يتكون من 137 صفحة، يبتدئ بتقديم وموزع على فصلين مركزين وينتهي بخاتمة، كما تضمن بيبليوغرافيا كثيفة وغنية من كتب باللغة العربية والفرنسية، ومقالات بالعربية والفرنسية، إضافة إلى خطب وبلاغات ونصوص قانونية، إضافة إلى مراجع إليكترونية لمؤسسات رسمية.

وقد صدر الكتاب ضمن منشورات حلقة الفكر المغربي، خاصة "سلسلة القراءة المواطنة"، التي يترأسها الدكتور "جمال بوطيب" والذي يعد مدير مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بمدينة فاس كذلك، وقد أشرف على هذا الكتاب هيئة من كبار الأساتذة الباحثين الأكاديميين من قبيل الدكتور "أحمد شراك" والدكتور "صلاح بوسريف" والأستاذ "أحمد كثير" والدكتورة "فاطمة الزهراء الزولاتي". كما أنجز له الدكتور "ابراهم حمداوي"، وهو أستاذ باحث في علم الاجتماع، تقديما قيما شرح فيه عطب التنمية التي بقيت مؤجلة رغم كل المحاولات والمشاريع التي أنجزت، وقدم إشارات واضحة لكل بنيات وأساسيات التنمية الإنسانية.

من هذا المنطلق تظهر الأهمية الكبيرة لصاحب الكتاب وموضوعه بحثه، كيف لا والأستاذ حسن علاوي من المتشبعين بفكر ومنهج العلوم الاجتماعية، إضافة إلى كونه إطارا عاليا بوكالة التنمية الاجتماعية، هذا كله يجعل منه باحثا متميزا يمكنه الخوض في أي مجال بحثي حول الظواهر الاجتماعية التي لها علاقة بالتنمية، ومادامت التنمية اليوم مرتبطة بكل المجالات والجوانب التي تتعلق بالإنسان، الذي تعتبر المقصود بالتأثير والفعل، فإن الأستاذ "حسن علاوي" يمكنه أن يخوض المغامرة والتجريب في معظم القضايا والإشكالات المتعلقة بالإنسان، ويظهر ذلك جليا من خلال العمل المتميز الذي أنجزه بعنوان: "الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب".


بداية، أعترف أنني لست بصدد قراءة نقدية أو مقارنة، وإنما قراءة تحليلية لبعض فصول ومحاور الكتاب، من أجل التعريف به وإبراز المجهود الجبار الذي أنجزه الكاتب، ولإثارة مجموعة من الإشكالات المطروحة، لأن أي نوع من القراءات النوعية غير التحليلية، باعتبار الوقت والظرفية الآنية، ربما يعد إجحافا في حق العمل وربما لن يوافيه حقه، على اعتبار أن القراءة المتميزة تتطلب وقتا كافيا وتستدعي مقاربات أخرى حول التنمية من أجل المقارنة والتحليل والتفسير على ضوئها، من قبيل مقاربة "أمارت ياسين" حول التمكين الاجتماعي وفق نظريته حول "التنمية حرية".

فبأي معنى يمكن الحديث عن الحق في التنمية؟ وما هي المعايير والمؤشرات التي تسمح لنا بالمغامرة لقياسه؟ وهل مطلب الحق في التنمية وَهْمًا أم حَقيقة؟

1.التنمية حق من الحقوق الإنسانية

يرى الكاتب حسن علاوي أن ضرورة التنمية برزت مع الوعي الإنساني بأهمية التخلص من ثقل الاستعمار السياسي ومخلفاته التدميرية، ذلك أن هذا الوعي تطور إلى ضرورة الحصول على الاستقلالية من أجل التمكين الاقتصادي كمرحلة ثانية، وبهذا ارتبطت التنمية في بداياتها الأولى بالجانب الاقتصادي، من أجل تمكن الدول المستضعفة من مجموعة من الآليات والأساليب والمميزات التي تجعلها قادرة على تجاوز حالة الركود والهشاشة، وتحقق الاستقلالية التامة والاكتفاء الذاتي، إذ يقول الكاتب في هذا الصدد : "فبعد أن كان الحق في التنمية ملازما للحق في تقرير المصير بعدما كانت الدول تحت وطأة الاستعمار، انتقل وعي الدول من التخلي عن الاستعمار السياسي إلى ضرورة التخلص من الاستعمار الاقتصادي الذي فرضته الدول الاستعمارية على الدول المستعمرة، وبالتالي استغلال فرصة المنابر الأممية لطرح قضايا التنمية"[1]. وبهذا المعنى، أصبح الحق في التنمية مطلبا دوليا من أجل تحقيق الحرية من التبعية الاقتصادية، والخروج من دوامة المركزية الاقتصادية الغربية، وفي محاولة جادة لتحقيق التمكين الاقتصادي الذي يمنح الدول المستضعفة خلق آليات وأساليب التسيير والتدبير المادي والمعنوي المستقل. 


إن مطالبة الشعوب المستعمرة باستقلالها التام والكامل يعد في حد ذاته مطلبا من مطالب التنمية، وهذا المطلب تم تقنينه في إطار التشريعات الدولية، ونجد له أساسا حسب الكاتب حسن علاوي "في المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة[2]، خاصة الفصل التاسع المتعلق بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي، الذي ينص صراحة على: رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم المتحدة مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها"[3]. وقد تعزز ذلك بترسانة من التشريعات الدولية تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل تقنين الحق في التنمية وضمان المساواة وتكافؤ الفرص في الحصول على موارد خاصة وحقيقية تضمن حق الرفاه وحماية الحياة والاستفادة من المساندة والمساعدة الدولية لمحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية.

غير أنه لابد من الإشارة إلى إشكال أساسي قد يطرح بصدد التنمية خاصة عند الدول المستضعفة، والذي يمكن أن يزيد من أشكلة مطلب التنمية، عندما نتساءل عن مدى تنزيل كل التشريعات الدولية على أرض الواقع بكل مغامرة وجدية في نفس الآن، بل عندما نبحث في الجوانب الإيديولوجية في زمن صراعات الأقطاب الدولية حول الهيمنة والمركزية الغربية، وعن الآليات والأساليب والشروط التي تم من خلالها الاستجابة الفورية لتحقيق المصير، إذن بأي معنى يمكن الحديث عن الحق في التنمية خلال فترة الستينيات والسبعينيات؟

وفي سياق حديثه عن السياق الدولي، تناول الكاتب مختلف التشريعات الإقليمية والتي كان لها الدور الكبير في بلورة وتثمين الحق في التنمية، على اعتبار التقاطعات التي تجمع بين الدولي والإقليمي في إطار التكامل والسعي لتحقيق فضاء بيني مشترك أو ما يصطلح عليه بالكونية، وفي هذا الصدد يقول الكاتب حسن علاوي: "هناك العديد من النصوص القانونية ذات البعد الإقليمي، والتي تحظى بأهمية بالغة بخصوص تعقيدها للحق في التنمية، أو على الأقل اعتماد قيم بالإمكان استثمارها. بل إن هناك سياقات مختلفة بين الدول والأقاليم، وهي فرصة لاستيفاء الممارسات الفضلى وأخذ الدروس منها"[4]. وقد أشار الكاتب إلى مجموعة متنوعة من هذه التشريعات مثل: "الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" لسنة 1981، و "مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام" لسنة 1981، و "ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي" الذي دخل حيو التنفيذ سنة  2000.

الكاتب حسن علاوي يرى أن "كل هذه التشريعات الإقليمية عالجت بشكل أو بآخر الحقوق المدينة والسياسية، والقليل من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لكنها لم تستطع استحضار حق الشعوب والأفراد في التنمية، ولم تستطع مواكبة واستشراف قضايا المستقبل"[5]. فالتشريعات الإقليمية سعت إلى الاستجابة لمتطلبات وحاجيات مناطق النفوذ التابعة لها، بشكل يحاول تحقيق الجزء اليسير من تطلعات الناس العاديين، خاصة ما يتعلق بالدخل الفردي وتغيير مستوى المعيشة، لكنه ظل متمحورا حول الجانب الاقتصادي. غير أن إشكالات جمة ظلت عالقة خاصة ما يتعلق بالجانب المعنوي والقيمي، فهناك إغفال تام للبعد الدولي في التنمية الحقيقية، لأنها تتعلق بجميع الجوانب الإنسانية وليس المادي بمعناه الاقتصادي. وبالتالي يمكن الحديث عن الجانب الإنساني في التنمية، ومنه الانتقال من مطلب التنمية الاقتصادية إلى مطلب التنمية الإنسانية، أي الرفع من مستوى جميع المجالات والقضايا التي ترتكز حول الإنسان.


ومنه نعترف بقوة الحاجة إلى التنمية الإنسانية كحق إنساني يقتضي الحرية أولا لتمكين الإنسان من الكرامة، وذلك بخلق آليات ووسائل ومشاريع تضمن للإنسان العيش الكريم بكل استقلالية تامة، لمحاربة الهشاشة والفقر، وتجاوز الاستعباد غير المباشر، عن طريق تسليع الإنسان وتشييئه. لازال الحق في التنمية يحتاج إلى قرارات صريحة ومباشرة، توازن بين النص وأساليب تنزيله على أرض الواقع، بدأ من التشريعات الدولية والإقليمية حتى الوطنية ومنها إلى المحلية، والحاجة هنا إلى نهج الصراحة والوضوح، بعيدا عن ترك الفراغات في النص القانوني ومنح الفرصة لتأويله حسب السياق والرغبة والحاجة.

لذلك يحق لنا التساؤل عن مصير الحق في الصحة والتعليم في ظل كل الأزمات والأوبئة الفتاكة؟

أما بخصوص السياق الوطني بالمغرب، فجميع مكونات ولبنات التنمية الإنسانية تدخل في إطار منظومة حقوق الإنسان، والتي انخرط فيها المغرب منذ عقود خلت، فالوجه الحقيقي لهذه المنظومة بغض النظر على ما يمكن أن يختلها من سلبيات لدى البعض، جاءت من أجل الرفع من قيمة الإنسان والحفاظ على كرامته وتمتيعه بمجموعة من الامتيازات، وهو مطلب أساسي نض عليه الدستور المغربي في بعض أو جل مضامينه. وقد أكد الأستاذ حسن علاوي أن المغرب يؤكد على الحق في التنمية، وفي هذا الإطار وضع المغرب جملة من التشريعات والقوانين وجميعها تستقي شرعيتها من الدستور الغربي 2011، وفق معايير حقوق الإنسان، الذي نص صراحة، في الديباجة، على أن "الدولة المغربية تؤكد التزامها بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام بتطويرهما، مع مراعات الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزئ... وجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة"[6].

فالدستور المغربي تضمن في جميع فصوله ومضامينه جملة من النصوص تتعلق بجميع مناحي الحياة، وقد عمل على مأسسة مجموعة من التنظيمات أمام المواطنين والمواطنات، وبهذا منح الفرصة للجميع للتعبير بكل حرية من دون المس بالمقدسات، وسعى إلى وضع الحدود للمطالبة بالحق وأداء الواجبات. وفي هذا الإطار يضيف الأستاذ حسن علاوي: "لقد تمت دسترة مجموعة من المؤسسات من قبيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، مؤسسة الوسيط، المجلس الوطني لحقوق الإنسان... وغيرها"[7].

وقد ذكر الأستاذ حسن علاوي أمثلة عن الحقوق التي نص عليها الدستور المغربي صراحة، والتي تتعلق بجوانب ومجالات حيوية خاصة بالإنسان، تندرج ضمن الكرامة الإنسانية عامة بما يحفظ للإنسان قيمته وكينونته كمخلوق يحظى بالاحترام والتقدير. ويقول في هذا الصدد: نصت الفصول 19 إلى 30 علة مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية من قبيل الحق في الحياة، الحق في التزام الصمت، الحق في محاكمة عادلة، الحق في حماية الحياة الخاصة، حرية التفكير... أما الفصول من 31 إلى الفصل 35 على مجمل الحقوق الاجتماعية، بما في ذلك الحق في الصحة،  الحق في التعليم ذي جودة، السكن اللائق..."[8]. مع الدستور المغربي، ومن خلال فصوله النظرية يتضح أن الأمر لا يتعلق فقط بالجوانب الاقتصادية، وإنما على خلاف ما كان معمولا به بخصوص الحق في التنمية الاقتصادية، أصبح الأمر يتعلق بأبعاد اجتماعية قيمية في جوانب ومجالات متعددة. فالحق في التنمية منذ بذرته الأولى ارتبط بمطلب الاستقلال والحق في تقرير المصير، وتطور مع تطور الإنسان وحاجاته وتفكيره إلى أن أصبح هذا الحق اقتصاديا مضاف إليه السياسي والاجتماعي والبيئي والثقافي..... وكل الجوانب التي ينبني عليها الإنسان، وخاصة ما يتعلق بالتنمية المستدامة، تأكيدا على استغلال الموارد الحالية بما يضمن حقوق الأجيال القادمة بطريقة تراكمية.


إن الدستور المغربي رسم خارطة طريق واضحة لتفعيل مطلب الحق في التنمية، من خلال دسترة ومأسسة مجموعة من القوانين والتشريعات، وكذلك التنظيمات الإدارية والاجتماعية الحكومية وغير الحكومية، باعتباره أسمى وثيقة وطنية ومرجعا لكل القوانين، وهذه الإرادة واضحة المعالم ولا غبار عليها، لكن تحتاج إلى نفس ونفس جديد للتنزيل على أرض الواقع، إنها الإرادة الفعلية التي تتبلور في هيكل التنظيم الإداري والمؤسساتي بفعل التكييف مع متطلبات السكان والموارد المرصودة في دم المؤسسات والتنظيمات الرسمية وغير الرسمية.

أما بخصوص مكانة الحق في التنمية ضمن السياسات العمومية عمل الأستاذ حسن علاوي على قياس مدى إعمال الحق في التنمية التجأ إلى إطار معياري وآخر إحصائي يمكنهما التأشير على مواطن حقيقية موضع الاختبار. ويقول في هذا الصدد: "سنعالج في هذا المطلب المؤشرات المعتمدة، والتي قسمناها إلى عنصرين:  المؤشرات المعيارية والمؤشرات الإحصائية. فالمؤشرات المعيارية نقصد بها كل ما له علاقة بالمواثيق الدولية والعهود والإعلانات التي صادق عليها المغرب، والتي تتضمن التزامات وواجبات تجاه تفعيلها. أما المؤشرات الإحصائية فهي كل المعطيات الكمية والكيفية التي من شأنها أن تساعد على قياس مدى إعمال الحق في التنمية في السياسات العمومية، والتي غالبا ما تستمد من تقارير ودراسات حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالأساس"[9].

بعد استحضار مجموعة من المواثيق الدولية والمعاهدات التي انخرط المغرب في المصادقة عليها ومجاولة تنزيلها، وبعد ذكر مجموعة من المعطيات الكمية والكيفية من خلال تقارير حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أكد الأستاذ حسن علاوي أن: "مجموعة من الإصلاحات والسياسات المتعاقبة التي كان الغرض من ورائها تحسين المؤشرات المرابطة بالوضع التنموي عموما، لم تستطع بلوغ الأهداف والغايات الكبرى للحق في التنمية، لكونها لم تنعكس على الوضعين الاجتماعي والحقوقي"[10]. فالإشكال المحوري الذي يعيشه تحقيق الحق في التنمية الإنسانية هو آلية الربط بين النظري والتطبيقي، فعندما ننظر إلى المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية غالبا ما نجدها مترابطة، وتسير وفق نسق متكامل كما تستقي مشروعيتها وحياتها من منبع دولي واحد، إضافة إلى ذلك نجد تضليلا كبير في التقارير والإحصاءات، والدليل هو ما تعيشه الشعوب مقارنة مع البرامج والموارد المادية والمعنوية المرصودة. وبهذا المعنى نكون أمام هوة شاسعة بين عالمين، عالم مثالي في مدينة فاضلة، وآخر عار من كل حقيقة.

ما فائدة التنظيرات والقوانين التي سطرت على المستوى الدولي، وتم تقاسمها إقليميا ووطنيا، إذا لم تنعكس على أسلوب الحياة وطريقة العيش؟ ما جدوى كل التشريعات التي وضعت منذ عقود وأغلب شعوب العالم لازالت تعيش تحت وطأة الفقر والهشاشة الاجتماعية؟ هذا ما أكدت عليه مجموعة من التقارير والدراسات الدولية، إذ يقول الأستاذ حسن علاوي: "وأدى ذلك إلى مجموعة من النتائج التي غالبا ما لا تكون مرضية في نظر العديد من المنظمات غير الحكومية أو الوكالات المتخصصة أو المؤسسات الدولية، وهو ما ذهب إليه تقرير أممي، من كون الرؤية البديلة لسياسة التنمية التي حملها إعلان الحق في التنمية،... شهدت السنوات التي تلت ذلك، استمرار لنموذج التنمية الاقتصادية السائد، والذي، على الرغم من ريادته من حيث المضامين والتصورات، أهمل الشواغل الاجتماعية، بما في ذلك حقوق الإنسان"[11].

وبخصوص المغرب، فقد أكد الأستاذ حسن علاوي بأن "الحق في التنمية لم يحظى بالأهمية اللازمة سواء على مستوى التشريعات أو على أنشطة وبرامج المنظمات الحكومية وغير الحكومية"[12]. من هذا القول نستشف الضعف الكبير الذي تميزت به التشريعات والقوانين المغربية، على مستوى التنظير و على مستوى التنزيل، بالرغم من المضمون الطموح لمضامين الدستور الغربي 2011، والمخاض الكبير الذي عرفته التشريعات في ظل أوراش كبرى سياسية واقتصادية وترابية. فبالنظر إلى الترسانة الكبيرة للقوانين المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي وع عليها المغرب ووعد بالالتزام بمقتضياتها، ومحاولة تقييم المنجز على أرض الواقع وليس حسب التقارير المنجز، تتضح بالملموس قيمة ومكانة التزام المغرب بمقومات الح في التنمية الفردية والشاملة.

فقد أشار الأستاذ حسن علاوي إلى الدور الكبير الذي يلعبه التفعيل السريع للحق في التنمية في السياسات العمومية، على اعتبار أن هذا الأمر يعبر بالأساس على الاستجابة لحاجات ودوافع المواطنين عن قرب، إذ يقول في هذا الإطار: "تبين بأن أهمية إدماج وتفعيل الحق في التنمية في السياسات العمومية يبقى في غاية الأهمية، لكون الأمر يساعد على صيانة وحماية حقوق الإنسان في مجملها، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص"[13].

من دون شك، أن المغرب كغيره من الدول سيكون ملزما للامتثال إلى أوامر وضبط الحق في التنمية على المستوى الوطني، في أبعادها الحقوقية والاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية والمساهمة في سيرورة التنمية المستدامة، وقد تطلب منه، لتحقيق ذلك، سن مجموعة من التشريعات والقوانين من شأنها تطوير وتوجيه النقاش العمومي، حتى يتم التنزيل بشكل سلس لتفادي حالات الصراع والنزاع.

خاصة عندما ننظر إلى الحركات الاحتجاجية التي عرفتها بعض الدول في محاولة من شعوبها المطالبة بالمزيد من الحقوق والامتيازات، خاصة ما يتعلق بالحقوق السياسية والتوزيع العادل للثروات. وقد كان المغرب سباقا للقيام بمجموعة من التعديلات على مستوى التشريعات والقوانين، في محاولة لإدماج المواطنات والمواطنين في بناء القرار العمومي عبر الترافع المدني.


من يتحمل مسؤولية إعمال الحق في التنمية؟[14]

سؤال طرحه الأستاذ حسن علاوي يراه أساسيا لفتح نقاش إشكالي حول المسؤولية في تحقيق مضامين الحق في التنمية، بل هو سؤال جوهري ينتج ويعيد إنتاج خبايا وخلفيات الوجاهة المصنوعة في المغرب حول هذا الحق. الجواب عن هذا السؤال يتطلب تفتيت وتفكيك التشريعات والقوانين المنصوصة حول الموضوع، كما يدفعنا للبحث في التقرير المرفوعة وتحليل ومناقشة كل إحصائياتها ومضامينها.

وفي هذا الإطار يمكن إعادة طرح السؤال بأسئلة مركبة ومتشعبة كالتالي: هل فعلا هناك إرادة حقيقية لإحقاق الحق في التنمية؟ وهل نتوفر على بنيات مؤسساتية وبشرية من شأنها تنزيل هذا الحق؟ وإذا سلمنا بذلك، ما السبب أو الأسباب الحقيقة في تحقيق هذا المطلب؟ هل الأمر مرتبط بمشروع مجتمعي قابل للتسليع والتشييء أم هناك رغبة أكيدة في تطوير كل الجوانب المتعلقة بالإنسان من أجل تمكينه من الحرية الكفيلة بالخلق والإبداع داخل المجتمع، من أجل تحقيق الاندماج الاجتماعي؟ هل الجهات المسؤولة واعية كل الوعي بأهمية الحق في التنمية؟ وإذا كانت كذلك لماذا التلاعب بالآليات والأساليب التقليدية؟

إن النظام المؤسساتي في كل دولة له أهمية بالغة في الحفاظ على سيرورة المجتمع وتماسكه الاجتماعي، وهو الكفيل بتنزيل مقتضيات ومضامين القوانين، من أجل حصول المواطنين والمواطنات على حقوقهم كاملة، فسواء تعلق الأمر بالمؤسسات الرسمية للدولة كالحكومة، أو الوزارات أو البرلمان أو المؤسسات العمومية وغيرها. أو بمنظمات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات أو الجمعيات... أو بالقطاع الخاص، فالجميع يقع على عاتقه الدفاع عن الحق في التنمية حسب المسؤوليات الملقاة على عاتقه، ومن خلال تطبيق المقتضيات والتشريعات، ولو اقتضى الأمر الاحتجاج السلمي وفق ما هو منصوص عليه في نفس القوانين التي تتماشى مع روح الوثيقة السامية للبلاد الممثلة في الدستور المغربي 2011.

بيبليوغرافيا

­ -حسن علاوي، الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب، منشورات حلقة الفكر المغربي، سلسلة القراءة المواطنة، رقم 08، مطبعة بلال، فاس، المغرب، ط1، يوليوز 2020.

­-ميثاق الأمم المتحدة، المادة 55 من الفصل التاسع، تم توقيعه بتاريخ 26 يونيو 1945، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 24 أكتوبر 1945.

­ -ديباجة دستور المملكة المغربية، 2011.



[1] حسن علاوي، الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب، منشورات حلقة الفكر المغربي، سلسلة القراءة المواطنة، رقم 08، مطبعة بلال، فاس، المغرب، ط1، يوليوز 2020، ص 25.

[2] ميثاق الأمم المتحدة، المادة 55 من الفصل التاسع، تم توقيعه بتاريخ 26 يونيو 1945، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 24 أكتوبر 1945.

[3]حسن علاوي، المرجع السابق، ص 26.

[4] حسن علاوي، المرجع السابق، ص 35.

[5] حسن علاوي، نفسه، ص 39.

[6] ديباجة دستور المملكة المغربية.

[7]حسن علاوي، نفسه، ص 55.

[8] حسن علاوي، نفسه، ص 56.

[9]حسن علاوي، نفسه، ص 77.

[10] حسن علاوي، نفسه، ص 89.

[11]حسن علاوي، نفسه، ص 90.

[12]حسن علاوي، نفسه، ص 103.

[13] حسن علاوي، نفسه، ص  103

[14]حسن علاوي، نفسه، ص 107

................................................

 موقع الأستاذ الصديق الصادقي العماري

 212664906365+

 adkorasat1@gmail.com

 

تعليقات

  1. بعد استحضار مجموعة من المواثيق الدولية والمعاهدات التي انخرط المغرب في المصادقة عليها ومجاولة تنزيلها، وبعد ذكر مجموعة من المعطيات الكمية والكيفية من خلال تقارير حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أكد الأستاذ حسن علاوي أن: "مجموعة من الإصلاحات والسياسات المتعاقبة التي كان الغرض من ورائها تحسين المؤشرات المرابطة بالوضع التنموي عموما، لم تستطع بلوغ الأهداف والغايات الكبرى للحق في التنمية، لكونها لم تنعكس على الوضعين الاجتماعي والحقوقي"[10]. فالإشكال المحوري الذي يعيشه تحقيق الحق في التنمية الإنسانية هو آلية الربط بين النظري والتطبيقي، فعندما ننظر إلى المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية غالبا ما نجدها مترابطة، وتسير وفق نسق متكامل كما تستقي مشروعيتها وحياتها من منبع دولي واحد، إضافة إلى ذلك نجد تضليلا كبير في التقارير والإحصاءات، والدليل هو ما تعيشه الشعوب مقارنة مع البرامج والموارد المادية والمعنوية المرصودة. وبهذا المعنى نكون أمام هوة شاسعة بين عالمين، عالم مثالي في مدينة فاضلة، وآخر عار من كل حقيقة.

    ردحذف
  2. سؤال طرحه الأستاذ حسن علاوي يراه أساسيا لفتح نقاش إشكالي حول المسؤولية في تحقيق مضامين الحق في التنمية، بل هو سؤال جوهري ينتج ويعيد إنتاج خبايا وخلفيات الوجاهة المصنوعة في المغرب حول هذا الحق. الجواب عن هذا السؤال يتطلب تفتيت وتفكيك التشريعات والقوانين المنصوصة حول الموضوع، كما يدفعنا للبحث في التقرير المرفوعة وتحليل ومناقشة كل إحصائياتها ومضامينها.

    ردحذف
  3. من دون شك، أن المغرب كغيره من الدول سيكون ملزما للامتثال إلى أوامر وضبط الحق في التنمية على المستوى الوطني، في أبعادها الحقوقية والاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية والمساهمة في سيرورة التنمية المستدامة، وقد تطلب منه، لتحقيق ذلك، سن مجموعة من التشريعات والقوانين من شأنها تطوير وتوجيه النقاش العمومي، حتى يتم التنزيل بشكل سلس لتفادي حالات الصراع والنزاع.

    ردحذف
  4. إن الدستور المغربي رسم خارطة طريق واضحة لتفعيل مطلب الحق في التنمية، من خلال دسترة ومأسسة مجموعة من القوانين والتشريعات، وكذلك التنظيمات الإدارية والاجتماعية الحكومية وغير الحكومية، باعتباره أسمى وثيقة وطنية ومرجعا لكل القوانين، وهذه الإرادة واضحة المعالم ولا غبار عليها، لكن تحتاج إلى نفس ونفس جديد للتنزيل على أرض الواقع، إنها الإرادة الفعلية التي تتبلور في هيكل التنظيم الإداري والمؤسساتي بفعل التكييف مع متطلبات السكان والموارد المرصودة في دم المؤسسات والتنظيمات الرسمية وغير الرسمية.

    ردحذف
  5. يمكن إعادة طرح السؤال بأسئلة مركبة ومتشعبة كالتالي: هل فعلا هناك إرادة حقيقية لإحقاق الحق في التنمية؟ وهل نتوفر على بنيات مؤسساتية وبشرية من شأنها تنزيل هذا الحق؟ وإذا سلمنا بذلك، ما السبب أو الأسباب الحقيقة في تحقيق هذا المطلب؟ هل الأمر مرتبط بمشروع مجتمعي قابل للتسليع والتشييء أم هناك رغبة أكيدة في تطوير كل الجوانب المتعلقة بالإنسان من أجل تمكينه من الحرية الكفيلة بالخلق والإبداع داخل المجتمع، من أجل تحقيق الاندماج الاجتماعي؟ هل الجهات المسؤولة واعية كل الوعي بأهمية الحق في التنمية؟ وإذا كانت كذلك لماذا التلاعب بالآليات والأساليب التقليدية؟

    ردحذف
  6. الكاتب حسن علاوي يرى أن "كل هذه التشريعات الإقليمية عالجت بشكل أو بآخر الحقوق المدينة والسياسية، والقليل من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لكنها لم تستطع استحضار حق الشعوب والأفراد في التنمية، ولم تستطع مواكبة واستشراف قضايا المستقبل"[5]. فالتشريعات الإقليمية سعت إلى الاستجابة لمتطلبات وحاجيات مناطق النفوذ التابعة لها، بشكل يحاول تحقيق الجزء اليسير من تطلعات الناس العاديين، خاصة ما يتعلق بالدخل الفردي وتغيير مستوى المعيشة، لكنه ظل متمحورا حول الجانب الاقتصادي. غير أن إشكالات جمة ظلت عالقة خاصة ما يتعلق بالجانب المعنوي والقيمي، فهناك إغفال تام للبعد الدولي في التنمية الحقيقية، لأنها تتعلق بجميع الجوانب الإنسانية وليس المادي بمعناه الاقتصادي. وبالتالي يمكن الحديث عن الجانب الإنساني في التنمية، ومنه الانتقال من مطلب التنمية الاقتصادية إلى مطلب التنمية الإنسانية، أي الرفع من مستوى جميع المجالات والقضايا التي ترتكز حول الإنسان.

    ردحذف

إرسال تعليق

يمكنكم كتابة تعليق كقيمة تفاعلية مع الموضوع: إضافات، أو تساؤلات، أو انتقادات علمية، أو توجيهات، أو ملاحظات....

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

إعلان طلبات النشر في مجلة كراسات تربوية. العدد (13) فبراير 2024

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي بعنوان: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

مجلس تدبير المؤسسة آلية للتأطير والتدبير التربوي والإداري

خلاصات

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي -أسس وقضايا-

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

إعلان خلاصات2

مشاركات

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

الجزء الأول: قراءة في كتاب ''المسألة القروية في المغرب''. تأليف الدكتور عبد الرحيم العطري

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

إعلان خلاصات3

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

خلاصات أخرى

المشاركات الشائعة

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

إعلان خلاصات4

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

pub3