برنامج فنون الفرجة الشعبية: الحلقة5: فرجة هوبي عند قبائل ذوي منيع بتافيلالت

 

برنامج فنون الفرجة الشعبية

إذاعة صوت ورززات

 الحلقة5: فرجة هوبي عند قبائل ذوي منيع بتافيلالت

 

إعداد وتقديم:

الصديق الصادقي العماري

 توطئة
تشكل الذاكرة الجماعية لكل مجتمع عاملا أساسيا في الحفاظ على الهوية الثقافية، وبالتالي الحضارية، كما تسهم في استقرار هذا المجتمع وهو يقوم بدوره التاريخي وسط محيطه العام، دون أن يخرج عن سياقه الاستراتيجي، وذلك لكون الذاكرة تعتبر الخزان الثقافي لذلك المجتمع، فهي تتميز بقدرة كبير على حشد التراكمات وحفظها، كما أنها لا تحفظ إلا الوقائع والأحداث والتجارب والتعبيرات القوية التي تجسد لحضورها بشكل بارز. فالذاكرة تمتاز بالغائية لأن المجتمع ينطلق من غاية محددة تجعله يحفظ تجربته، كما أنها هي المتحكم في صيرورة المجتمع وتوجيهه من الناحية الذهنية، وهذا ما يدفع إلى القول بأن المجتمع الذي يفقد ذاكرته يصبح محكوما عليه بالشلل، إن لم نقل الموت الحضاري.

و بالتالي لا معنى لمرجعية لا تمكن أصحابها من اتخاذ المواقف اللازمة لمسارهم الثقافي خاصة، وبهذا المعنى تساهم الذاكرة الجماعية في الاستجابة للتحديات الحضارية التي من الممكن مصادفتها، فتنمية الحيوية والفاعلية في هذه الذاكرة، وتجاوز جوانب الجمود والتحجر التي يمكن أن يصيبها بفعل النسيان أو الإهمال، يعد مطلبا أساسيا للحفاظ على هوية المجتمع والدفع به إلى الانخراط في التقدم المطلوب.
ومن يغوص في عمق الذاكرة الشعبية لواحات زيز بتافيلالت يدرك غناها وثراءها بتعبيرات ثقافية نابعة من الممارسات اليومية للإنسان في علاقته مع بيئته، ونجدها حاضرة بشكل دائم في كل التحولات التي شهدها المجتمع، سواء على مستوى الأعراس والمناسبات الدينية والوطنية حتى في طقوس العزاء والممارسات الفلاحية والتجارية وغيرها. فقد عبر الفيلاليون من خلال هذه الأشكال الرمزية الشعبية عن مواقفهم وذواتهم وهمومهم، وأفراحهم وأقراحهم. غير أنه بالرغم من غزارة وغنى هذه الأشكال الشعبية التعبيرية على مستوى المعنى ونوع المضمون المحلي، فلازالت تعرف نوعا من التهميش والإقصاء مقارنة مع الأشكال التعبيرية التي تسمى بالعصرية بالرغم من محدودية أبعادها.
أما ما يميز مجتمع قبيلة ذوي منيع بواحات زيز، هو ارتباطهم بالبيئة المحلية ارتباطا وثيقا، لأنها ملهمة في صنع كل أساليب العيش، من خلال التعامل مع كل الأحداث والمواقف بنوع من الإنتاجية والإبداع، وقرب لغتهم من اللغة العربية الفصحى، لأن الفضاء الذي تدور فيه عبِق بروح الصحراء ورائحتها، خاصة في طريقة وأسلوب الحياة، ونوع الشعر الشعبي في شكله ومضمونه، وفي تشابه الصور وبناء المتون والقصائد وطريقة التعبير. إنها أشكال ثقافية شعبية لها قيمتها ورمزيتها في حياة الإنسان المنيعي الفيلالي، و هي التي تجسد لوجوده وعلاقاته بالمجال. 

ورقصة هوبي المنيعية من أبرز مظاهر هذه الأشكال الثقافية، باعتبارها جزءا هاما من المنظومة الفكرية للإنسان المنيعي، ولكونها موجودة في جميع احتفالات الأعياد والمناسبات، كغيرها من الأشكال الأخرى كالشعر، والأمثال، والألغاز، والأغاني، والأناشيد، والحكايات، والأساطير...إلخ، وفيها تتمظهر الأسس العقائدية والمعرفية والثقافية والتاريخية والأيديولوجية التي راهن عليها الإنسان المنيعي منذ القديم، وبذلك تساهم في تشكل المجتمع في مرحلة من مراحله، وهذه الأشكال الثقافية الشعبية تطورت بتطور هذا الإنسان حتى اكتملت في صورتها المعروفة اليوم. فما هي أهم مميزات وخصائص قبائل ذوي منيع بواحات زيز تافيلالت؟ و من أين تستمد رقصة هوبي المنيعية مقوماتها المادية واللامادية؟ هل يمكن القول أن رقصة هوبي تمازجت وتداخلت فيها أشكال ثقافية جديدة أم احتفظت بشكلها ورمزيتها منذ قدوم المنيعيين إلى تافيلالت؟ وما هي أبعاد هذه الرقصة ومظاهرها الاجتماعية على وجه الخصوص؟