قراءات

 قراءة في كتاب بعنوان:

''التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجية''،ط1، 

المؤلف: الصادقي العماري الصديق

تحت إشراف 

الشبكة الجمعوية للتنمية بأرفود


تقديم

يعتبر هذا الكتاب: «التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجية»، للفاضل الأستاذ الصديق الصادقي العماري، من بين المحاولات الجادة التي تعمل على رصد جوانب ومداخل رئيسة تعتمدها المنظومة التربوية في بلادنا من أجل التجديد والإصلاح. كما يعمل على قراءة وتحليل وتفسير مختلف الظواهر التربوية في علاقتها بالظواهر الاجتماعية، والتي تشكل تحديا بارزا يقف أمام منظومة التربية والتكوين من أجل تحقيق أهدافها.

وفي مقاربته النظرية لتلك الجوانب والظواهر، يستأنس الأستاذ الصادقي بإطار نظري متميز وهو الإطار البنيوي الوظيفي- المؤسساتي، الذي يركز على التفاعل الحيوي الجدلي بين مكونات المجتمع المغربي، والتي تعتبر المدرسة من أبرزها، وذلك لأجل ضمان استمرار فعالية ودينامية هذا المجتمع النامي وتطوره.

هذه المقاربة التي تسعى، حسب المؤلف، للكشف على جوانب هامة من دينامية منظومة التربية والتعليم في سعيها الدؤوب نحو الإصلاح، وإيجاد صيغ مناسبة لتجديد وتطوير أدوار المدرسة المغربية باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية المجتمعية، خلافا لما كانت عليه في السابق، وذلك من أجل السير على نهج الدول المتقدمة ومواكبة كل التغيرات والتطورات التي يشهدها عالمنا المعاصر.

حيث عمل في الفصل الأول على محاولة الكشف عن أهم دعائم التنشئة الاجتماعية كعملية أساس في تربية الأفراد سواء في الأسرة أم المدرسة أم في غيرها من مؤسسات المجتمع. كما أكد على دور هذه التنشئة في تنمية التفكير الإبداعي لدى الأفراد، متطرقا في نهاية الفصل، للعوائق التي تحول دون تحقيق التنشئة الاجتماعية لأهدافها المرجوة.

في حين تناول الفصل الثاني أدوار المدرسة المغربية ومفهوم التنمية في أبعادها الأساس، خاصة التنمية البشرية والمستدامة، وكذلك التخطيط المدرسي الاستراتيجي ودوره في تأهيل المتعلمين للتمكن من الكفايات الضرورية التي تؤهلهم لمواجهة كل الصعاب الحياتية.

كما تطرق في الفصل الثالث لموضوع التربية على القيم في المدرسة المغربية، حيث حلل في البداية دواعي اعتماد التربية على القيم، ومفهوم القيم، ثم روافد القيم، وصولا إلى تحديد أنوع القيم المعتمدة كما وردت في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي عمل على استعراضها بقدر من التفصيل، مع تقديم نماذج عن ذلك. ومن هذه الأنواع قيم العقيدة الإسلامية، وقيم المواطنة، وقيم السلوك المدني، وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 وفي الفصل الرابع تناول المؤلف مختلف العوامل والمؤثرات التي تحول دون تساوي المتعلمين/التلاميذ أمام فعل التربية منها على وجه الخصوص الوسط العائلي، والمعطى اللغوي، ومنظومة القيم...وغيرها من المؤثرات.

وفي الفصل الأخير تطرق الأستاذ الصادقي إلى المقاربة بالكفايات في أهم مقوماتها، كاختيار بيداغوجي من شأنه أن يتجاوز نموذج التدريس بالأهداف السلوكية من حيث الاعتماد عليه باعتباره وسيلة لا غاية. كما تطرق في هذا الفصل إلى مجموعة من المفاهيم كمفهوم المقاربة البيداغوجية، وتقريب مفهوم الكفاية وأهم المفاهيم المرتبطة بها، كذلك دور الأهداف التعليمية في تحقيق الكفايات، وعلاقة الكفاية بنظريات التعلم والاكتساب، ثم علاقتها مع بيداغوجيات أخرى، ومنها البيداغوجيا الفارقية ونظرية الذكاءات المتعددة وبيداغوجيا المشروع وبيداغوجيا الخطأ وبيداغوجيا العمل بالمجموعات.

 إن هذا العمل الذي اجتهد الأستاذ الصديق الصادقي العماري في تأليفه وتنظيم فصوله، يأتي كثمرة لسنوات من العمل والبحث التربوي. إنه حصيلة تستند إلى تجربته المهنية، من خلال ممارسته للعمل التربوي كأستاذ، وكمتتبع لكل التحولات التي عرفتها الساحة التربوية خلال العقود الأخيرة والتي واكبت بعض أشواط الإصلاح. وكذلك باعتبار تجربته  كباحث في علم الاجتماع، وهذا ما يميز عمله ومشروعه الطموح، من حيث مثابرته وتأكيده عل ربط الظواهر التربوية بالظواهر الاجتماعية وتوظيف المقاربة السوسيولوجية في التعامل مع الشأن التربوي ببلادنا.

والله ولي التوفيق

الدكتور محمد الدريج


 

..................................................................................................

قراءة في كتاب بعنوان:

''المسألة القروية في المغرب''. 

تأليف الدكتور عبد الرحيم العطري

إنجاز وتقديم:

الصديق الصادقي العماري



تحتل القرية أو المجتمع القروي أو المجتمع الريفي مكانة متميزة في الأبحاث والدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية منذ زمن بعيد، وهي الموضوع أساسي ضمن اهتمامات السوسيولوجيا القروية على وجه الخصوص. المجتمع القروي يختزن العديد من الظواهر والإشكالات العميقة الجديرة بالدراسة والتحليل، خاصة في ما يتعلق بالفلاحة والزراعة والتوزيع العقاري والمجالي، ووسائل التهيئة، والتخلص من قيود السلطة واستنزاف الثروات والإمكانات المادية والمعنوية، وكذا العلاقة الشائكة بين القروي والمديني، والقضاء على معيقات التنمية التي تبقى باستمرار مؤجلة بفعل عوامل ظاهرة وأخرى خفية.

قد يعتقد البعض أن تنمية المجتمع القروي يرتبط بربطه بشبكة الماء والكهرباء وبناء المؤسسات التعليمية وربطه بالشبكة الطرقية فحسب،



المجتمع القروي المغربي بقضاياه وإشكالاته يعد جزءا من النسق الكلي للمغرب، بل هو البنية التي تعكس تحولات وديناميات هذا النسق، ويمكن اعتباره بنية مصغرة لما يعتمل في المجتمع المغربي ككل، وبهذا دراسة وتحليل الظاهرة القروية سوسيولوجيا من شأنها أن تساعدنا على ففهم هذه التحولات والتغيرات بشكل دقيق، ″إن السوسيولوجيا القروية تسعف، وإلى حد بعيد، في فهم كثير من التحولات المجتمعية التي يعرفها المغرب القروي، كما تفيد أيضا في قراءة النسق المديني، خصوصا في ظل مجتمع تمارس فيه القروية كقيم وممارسات حضورا قويا في تفاعلات المجتمع، فالسؤال القروي يمارس علينا ثقله وتأثيره، بالنظر إلى شرط الانتماء والتاريخ والمجال، وبالتالي فإنه يعد مدخلا ومفتاحا لقراءة مختلف التحولات التي يعرفها ذات المجتمع″.


وفي تحديده لموضوع السوسيولوجيا القروية، وأهم انشغالاتها الكبرى، أكد الدكتور عبد الرحيم العطري أن ʺ′القرية كنسق مجتمعيʺ يمكن أن يكون هذا التوصيف واحدا من الانشغالات العلمية للسوسيولوجيا القروية، ويمكن أن يكون العنوان الأبرز لذات الانشغالات، لكنه ليس الوحيد، فالسوسيولوجيا القروية تجعل من المجتمع القروي هدفها الأثير الذي تتوجه إليه بالدرس والتحليلʺ. فالسوسيولوجيا القروية، بهذا المعنى علم يهتم بدراسة المجتمع القروي بكل مكوناته وأشكاله وقضاياه، حيث هناك الفلاحة والزراعة والري والماء، والقبيلة والعلاقات الاجتماعية التي تحكمها، وأنماط العيش، والأشكال الثقافية والزوايا والأسرة والتعليم، والمخزن وأدواره الرئيسية وكل تفرعات السلطة من الشيخ والمقدم والقايد، إضافة إلى مؤسسة اجماعة والتنظيمات الإدارية التقليدية والحديثة وغيرها من الموضوعات والبنيات التي تشكل الهيكل والمحتوى للزاهرة القروية أو المجتمع القروي. لذلك يضيف صاحب ′المسألة القروية في المغرب′: ″ السوسيولوجيا القروية تضع ضمن استراتيجياتها العلمية المجتمع القروي مطمحا تخصصيا تعلن من خلاله عن حدودها وامتداداتها، وذلك عبر ملاحقة تفاصيله وتفاعلاته الدقيقة والعابرة″.

 

وفي إطار حديثه عن نشأت السوسيولوجيا القروية، والظروف والحيثيات التي كانت وراء التأسيس لهذا العلم، يؤكد الدكتور عبد الرحيم العطري أنه: ʺفي سياق أزمة عالم ما بعد الحرب تمت دعوة علماء الاجتماع للاشتغال على القرية أملا في تطوير قدرات التغيير في المجتمع القروي، وقد ترجم هذا الاشتغال عبر مسارين أساسيين تمثلا في السوسيولوجيا الأمريكية التي سارت في الاتجاه الأمبريقي، والسوسيولوجيا الفرنسية التي اختارت درب المونوغرافيات، وهذان الاتجاهان هما اللذان حسما لحظة التأسيس العلمي للسوسيولوجيا القروية، هذا مع التأكيد على أن كلا الاتجاهين لم ينقطعا عن استثمار علوم أخرى كالجغرافيا والأنثروبولوجيا بدرجة أولى. من هذا المنطلق، يتضح أن بروز علم الاجتماع القروي كفرع من فرع السوسيولوجيا العامة جاء نتيجة تداخل وتكامل العديد من التخصصات، وعلى وجه الخصوص الأمريكية والفرنسية، وهذا ما يبرز بالتأكيد القضايا الشائكة والمركبة للمجتمع القروي حيث لا يكفي في دراسته حقل معرفي أو حقلين بل يحتاج إلى تكامل حقول واتجاهات علمية مختلفة، لأن هناك الثقافي والمجالي والعلائقي والجغرافي والفلاحي والبيئي والزراعي والسياسي والاقتصادي والإيديولوجي والرمزي ....، إن العالم القروي جامع لكل الإشكالات والأحداث والوقائع الاجتماعية.


وبالنظر إلى جل الدراسات والأبحاث والانشغالات التي تأسست عليها السوسيولوجيا المغربية، على وجه الخصوص منذ نشأتها إلى الآن يتساءل الدكتور عبد الرحيم في تركيب متميز كالتالي: ʺألا يمكن القول بأن السوسيولوجيا المغربية في مجموعها هي سوسيولوجيا قروية؟ فلا السوسيولوجيا الكولونيالية، ولا الأخرى التي تلتها بعد الاستقلال استطاعت أن تقلص من حضور السؤال القروي ضمن خارطة اشتغالهاʺ. هو تساؤل يفيد في نفس الوقت التأكيد على أن السوسيولوجيا المغربية منذ نشأتها طلت سوسيولوجيا منشغلة بقضايا القرية وإشكالاتها الكبرى سواء قبل الاستعمار أو خلاله أو بعده، فقد كان الهاجس قروي بامتياز مع روبير مونطاني وميشو بلير وغيرهم من الأجانب الذين أنجزوا أبحاثا ودراسات حول القبيلة والزويا والسلطة، وهو الأمر نفسه مع محمد جسوس وبول باسكون وعبد الكبير الخطيبي وعبد الله حمودي وغيرهم، وهو الأمر نفسه بالنسبة للباحثين في عهدنا الحالي أمثال الدكتور عبد الر حيم العطري. ʺفقد حاول محمد جسوس منذ البدء أن يؤجج النقاش السوسيولوجي حول المجتمع القروي، معتبرا إياه الحقل الحيوي الذي يترجم ويكشف مجموع تفاعلات النسق المغربي...... وقد كان بول باسكون بمعهد الزراعة والبيطرة بدوره يؤسس لسوسيولوجيا قروية تدمن البحث الأمبريقي، وتستقي نظرياتها وتوجهاتها من الميدانʺ.

..................................................................................................

قراءة في كتاب: الفن العربي المعاصر، مقدمات. للدكتور عبد الكبير الخطيبي. إنجاز الصديق الصادقي العماري

 

قراءة في كتاب: الفن العربي المعاصر، مقدمات

المؤلف: عبد الكبير الخطيبي

ترجمة: الدكتور فريد الزاهي

إنجاز القراءة: الصديق الصادقي العماري

تقديم

يزخر الفن العربي بأشكال تعبيرية وتلوينات زخرفية جد متميزة، وهي نابعة من الموروث الثقافي الأصيل، الذي يجسد للوجود العربي الإسلامي على مر التاريخ، من جانبه الفني خاصة. وإن ما يميز هذا الفن أنه يحتوي على علامات ورموز وأشكال تعبيرية قابلة للتحول والتكيف والتجديد، لأننا أصبحنا نرى معالمه ونماذجه في مختلف الأعمال الإبداعية الغربية. إذ أنه شكل محل اهتمام وجذاب العديد من الفنانين والباحثين والكتاب الغربيين على اختلاف أنواعهم وانتماءاتهم. بالرغم من أن الفكر الغربي يحاول أن يقزم من قيمة وفعالية الثقافة الأخرى، ومنها العربية على وجه الخصوص، ويعتبرها متخلفة وفي مستوى أدنى من الثقافة الغربية، في الوقت الذي يدعو فيه إلى المثاقفة والتثاقف بين الحضارات.

ينطلق الفكر الغربي من كون ثقافته هي المتميزة والمتقدمة وأنه المؤسس الحقيقي للحداثة، غير أنه في ظل غزارة وانتشار ودمج أشكال وألوان الفن العربي في مختلف الأعمال الفنية الغربية منذ مطلع القرن العشرين وقبله، يحق لنا التساؤل حول حدود المركزية الغربية التي تدعي السبق في بناء الحداثة والمعاصرة، وعن مصداقية هذه المركزية وامتداداتها. فلا يمكن الحديث عن الحوار والتفاعل والتواصل بين الحضارات في ظل التقزيم والتهميش والهيمنة. لذلك، فإن أي بناء حضاري يفرض التبادل الثقافي المتوافق والمتوازي، تتغذي على حسابه كل الفنون من أجل خدمة الإنسانية،  هو ما ذهب إليه باتريس بافيس، باعتباره من دعاة المثاقفة، الذي يقول: ”إذا كان هناك ثمة خطاب يجب أن نسعى لتجاوزه، فهو التمركز الأوربي المنكفئ الذي يجعل من أوربا حصنا منيعا ضدا على أي شكل من أشكال المثاقفة مع آخرها...“[1].

والفن العربي اليوم في حاجة ماسة إلى تدوينه وتسجيله على مر الحقب التاريخية، من أجل أن يتم حفظه وتداوله، بالرغم من ”أن كتابة تاريخ الفنون العربية المعاصرة أمر أصعب بكثير من كتابة تاريخ الأدب العربي، نظرا للصعاب التي تعترض تداول اللوحة والعمل الفني عموما بين الدول العربية، ونظرا أيضا لما يكتنف الكتابة عن الفن من هشاشة تعود بالأساس إلى طغيان الكتابة الصحفية على الكتابة النقدية والتحليلية“[2]. وفي هذا الإطار يأتي كتاب عبد الكبير الخطيبي بعنوان ”الفن العربي المعاصر“، والذي علمل على ترجمته فريد الزاهي، من بين المحاولات الجادة في إلقاء نظرة على هذا الفن ومحاولة إبراز أهم مكوناته ومميزاته، وقدرته الفعالة على التفاعل والحوار مع الفنون الأخرى من جميع بقاع العالم، والمشاركة في بناء حضاري يسعى إلى خدمة القضايا الإنسانية.


1.طلائع الفن العربي المعاصر

 ينطلق عبد الكبير الخطبي، في حديثه عن ”الفن العربي المعاصر“، من ”المعاصرة“ بكونها راهنية و "هي تعايش بين أنماط عديدة من الحضارات، تمتلك كل واحدة منها ماضيا تليدا متفاوتا في القدم والتبجيل، متميزا بقوة الابتكار والحفاظ على تراثه"[3]، وبالتالي فهي سيرورة من التبادلات والتفاعلات بين مجموعة من الثقافات المختلفة والمتنوعة، الضاربة في الزمان والمكان، وكل واحدة منها لها ما يميزها من غنى وعراقة في تخوم التاريخ، بحمولته الإنتاجية والإبداعية والتراثية. وهذا ما ينفي عن الغرب كونه السباق لبناء الحداثة والمعاصرة، ويضرب في عمق ادعائه المركزية والتفرد والتميز.

وقد عمل الخطيبي على إثارة تساؤلات حول مسألة التمييز بين الفن الحديث والفن المعاصر، والحدود الفاصلة بينهما، و يعتبر أن مسالة وجود حدود فاصلة بينهما أمر يبقى محل والتباس بالرغم من ادعائنا حول هذه الحدود، إذ يقول في هذا الصدد:" فأين يبدأ الفن الحديث؟ هل يبدأ مع الانطباعية؟ أم مع التجريدية؟ و أي تجريدية نعني؟ يقال أن الفن المعاصر قد انبثق في الخمسينيات بعد حرب بالغة الضراوة“. في مقابل ذلك يسلم الخطيبي بالتقطيع التاريخي الذي يعتبر أمرا ضروريا، لكنه يرفضه لكونه يتأسس على المركزية الغربية، لأنه في نظره ”لايقدم نظرة مكتملة عن ابتكار الحداثة والمستقبل في دوائر حضارية أخرى“[4]، خاصة عند الحضارة الشرقية والعربية الإسلامية، لأن الثقافة الغربية تقصي الثقافات الأخرى وتحاول أن ترفع من شأن ثقافتها، وتهمش الآخر بعد السيطرة عليه واستغلال ثقافته بدافع المثاقفة والتثاقف.

و يضعنا الخطيبي في منهجه الذي سيقارب من خلاله "الفن العربي المعاصر"، بقوله: فبعد أن تكون الخصائص الكبرى لحضارة معينة قد منحت قيمتها الحقة، أنداك يمكننا مقارنتها بحضارة أخرى، وإبراز القيمة المتبادلة للحضارات الفاعلة في مسألة الفن، وتماثلانها وأصالتها، و حوارها أيضا. فالمقارنة تأتي بالتميز"[5]. ومن هذا المنطلق، يرى عبد الكبير الخطيبي أن المقارنة بين الحضارات تكون على أساس ما تتوفر عليه كل حضارة من موروث ثقافي وقيمي، وفاعلية إنتاجية وإبداعية، خاصة في مسالة الفن، بعيدا عن السيطرة والاستغلال وتحكم حضارة، تدعي لنفسها القوة والهيمنة، في أخرى بدوافع إيديولوجية أو سياسية أو إمبريالية، وهذا ما يعطي لكل حضارة القيمة التي تستحقها ويميزها عن غيرها. وبهذا يمكننا الحديث عن حوار وتفاعل و تعايش بين الحضارات.

وصف الخطيبي الفن العربي الإسلامي الكلاسيكي بمجموعة من المميزات مثل: ”استقلال اللون، وصفاء الأشكال، وهندسة مطلقة(...)، وقوة الزخرفي، سواء في العمارة أو التوريق أو الزواقة، أو المنمنمات والخط والفنون والحرف الاستعمالية بتنوع موادها، من حجر ومعادن ونحاس...“[6]، وهي خصائص تميز بها هذا الفن منذ القدم، لكنها مازالت متداولة ومتوارثة من جيل لأخر، لأنها ضمن اشتغاله وممارسته اليومية، وبالنسبة له جزء من ثقافته، وتجسد لتاريخه الطويل. إنها مميزات تدخل في مكنون الذاكرة الجماعية للإنسان العربي الإسلامي، يعمل على تجديدها و إحيائها حسب تطورات كل عصر دون الممساس بأصالتها.


وقد أكد الخطيبي أن هذا الفن العربي الإسلامي الكلاسيكي، بما يتميز به من سمات، جذب أهتمام العديد من الفنانين الأوربيين إما في المعارض الدولية أو من خلال رحلتهم إلى مختلف الدول العربية والشرقية من أجل اكتشافه، إذ يقول في هذا الصدد: ”هكذا بدأت أوروبا تكتشف تدريجيا هذا الثراث الكلاسيكي العربي الإسلامي. ونحن لا ننسى هنا المعرض العالمي بفيينا ( 1873)  الذي كان مسرحا لاكتشاف حضارة مغايرة. من ثم أيضا ينبع سحر الفنانين الذين رحلو نحو شرقهم كإميل غراسي (إلى مصر سنة 1869) وكلود رونوار (إلى الجزائر سنتي 1879  و1982)، وفاسيلي كاندانسكي (إلى تونس بين 1904 و 1905 و إلى مصر وسوريا وتركيا سنة 1932)، وموريس دوني ( إلى الجزائر وتونس والشرق الأوسط في ما بين 1907 و 1910)، وألبير ماركي ( الذي قام بزيارات عديدة للمغرب والجزائر بين 1911 و1945...“[7]، وغيرهم من الذين سحرتهم قيم وعادات وتقاليد العرب والشرق. وقد عمل هؤلاء الفنانين على استكشاف هذا الموروث وتوظيفه في بعض أعمالهم، نتيجة ما تركه من شغف وإعجاب في نفوسهم بفعل ما يكتنزه من زخرفة توظيف للون وقداسة نابعة من أصالة وندرة هذا التراث. وبهذا لا يمكن الحسم والجزم بأن الغرب هو السباق لاكتشاف و بناء الحداثة، بل أن الفن العربي الإسلامي، بكل مميزاته، هو شريك في بناء حداثتنا، مادامت ” قيمة الفن ذي الأشكال الثابتة، الذي يخضع للرغبة في الخلود، لم تكف عن بصم نظرة التشكيليين وذاكرتهم البصرية“[8]تتمة القراءة من هنا

.............................................................................................
 

قراءة في كتاب بعنوان: الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب


قراءة في كتاب بعنوان :

الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب

المؤلف: حسن علاوي


أنجز القراءة:

الصديق الصادقي العماري

باحث في علم الاجتماع

 

تقديم

صدر للأستاذ حسن علاوي كتاب من الحجم المتوسط ، بعنوان: "الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغربمن مطبعة بلال بمدينة فاس في يوليوز 2020، يتكون من 137 صفحة، يبتدئ بتقديم وموزع على فصلين مركزين وينتهي بخاتمة، كما تضمن بيبليوغرافيا كثيفة وغنية من كتب باللغة العربية والفرنسية، ومقالات بالعربية والفرنسية، إضافة إلى خطب وبلاغات ونصوص قانونية، إضافة إلى مراجع إليكترونية لمؤسسات رسمية.

وقد صدر الكتاب ضمن منشورات حلقة الفكر المغربي، خاصة "سلسلة القراءة المواطنة"، التي يترأسها الدكتور "جمال بوطيب" والذي يعد مدير مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بمدينة فاس كذلك، وقد أشرف على هذا الكتاب هيئة من كبار الأساتذة الباحثين الأكاديميين من قبيل الدكتور "أحمد شراك" والدكتور "صلاح بوسريف" والأستاذ "أحمد كثير" والدكتورة "فاطمة الزهراء الزولاتي". كما أنجز له الدكتور "ابراهم حمداوي"، وهو أستاذ باحث في علم الاجتماع، تقديما قيما شرح فيه عطب التنمية التي بقيت مؤجلة رغم كل المحاولات والمشاريع التي أنجزت، وقدم إشارات واضحة لكل بنيات وأساسيات التنمية الإنسانية.

من هذا المنطلق تظهر الأهمية الكبيرة لصاحب الكتاب وموضوعه بحثه، كيف لا والأستاذ حسن علاوي من المتشبعين بفكر ومنهج العلوم الاجتماعية، إضافة إلى كونه إطارا عاليا بوكالة التنمية الاجتماعية، هذا كله يجعل منه باحثا متميزا يمكنه الخوض في أي مجال بحثي حول الظواهر الاجتماعية التي لها علاقة بالتنمية، ومادامت التنمية اليوم مرتبطة بكل المجالات والجوانب التي تتعلق بالإنسان، الذي تعتبر المقصود بالتأثير والفعل، فإن الأستاذ "حسن علاوي" يمكنه أن يخوض المغامرة والتجريب في معظم القضايا والإشكالات المتعلقة بالإنسان، ويظهر ذلك جليا من خلال العمل المتميز الذي أنجزه بعنوان: "الحق في التنمية في السياسات العمومية بالمغرب".


بداية، أعترف أنني لست بصدد قراءة نقدية أو مقارنة، وإنما قراءة تحليلية لبعض فصول ومحاور الكتاب، من أجل التعريف به وإبراز المجهود الجبار الذي أنجزه الكاتب، ولإثارة مجموعة من الإشكالات المطروحة، لأن أي نوع من القراءات النوعية غير التحليلية، باعتبار الوقت والظرفية الآنية، ربما يعد إجحافا في حق العمل وربما لن يوافيه حقه، على اعتبار أن القراءة المتميزة تتطلب وقتا كافيا وتستدعي مقاربات أخرى حول التنمية من أجل المقارنة والتحليل والتفسير على ضوئها، من قبيل مقاربة "أمارت ياسين" حول التمكين الاجتماعي وفق نظريته حول "التنمية حرية".

فبأي معنى يمكن الحديث عن الحق في التنمية؟ وما هي المعايير والمؤشرات التي تسمح لنا بالمغامرة لقياسه؟ وهل مطلب الحق في التنمية وَهْمًا أم حَقيقة؟

1.التنمية حق من الحقوق الإنسانية

يرى الكاتب حسن علاوي أن ضرورة التنمية برزت مع الوعي الإنساني بأهمية التخلص من ثقل الاستعمار السياسي ومخلفاته التدميرية، ذلك أن هذا الوعي تطور إلى ضرورة الحصول على الاستقلالية من أجل التمكين الاقتصادي كمرحلة ثانية، وبهذا ارتبطت التنمية في بداياتها الأولى بالجانب الاقتصادي، من أجل تمكن الدول المستضعفة من مجموعة من الآليات والأساليب والمميزات التي تجعلها قادرة على تجاوز حالة الركود والهشاشة، وتحقق الاستقلالية التامة والاكتفاء الذاتي، إذ يقول الكاتب في هذا الصدد: "فبعد أن كان الحق في التنمية ملازما للحق في تقرير المصير بعدما كانت الدول تحت وطأة الاستعمار، انتقل وعي الدول من التخلي عن الاستعمار السياسي إلى ضرورة التخلص من الاستعمار الاقتصادي الذي فرضته الدول الاستعمارية على الدول المستعمرة، وبالتالي استغلال فرصة المنابر الأممية لطرح قضايا التنمية"[1]. وبهذا المعنى، أصبح الحق في التنمية مطلبا دوليا من أجل تحقيق الحرية من التبعية الاقتصادية، والخروج من دوامة المركزية الاقتصادية الغربية، وفي محاولة جادة لتحقيق التمكين الاقتصادي الذي يمنح الدول المستضعفة خلق آليات وأساليب التسيير والتدبير المادي والمعنوي المستقل.    تتمة القراءة من هنا

تعليقات

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

إعلان طلبات النشر في مجلة كراسات تربوية. العدد (13) فبراير 2024

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي بعنوان: علوم التربية والترجمة: الواقع والآفاق. يونيو 2024

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

خلاصات

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

سوسيولوجيا الفيلم الوثائقي الواقعي -أسس وقضايا-

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

التربية الجمالية بالمدرسة الابتدائية

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي

إعلان خلاصات2

مشاركات

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

برنامج فنون الفرجة الشعبية الحلقة7: فرجة احتفالية أحيدوس بالجنوب الشرقي

دواعي اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل للإصلاح البيداغوجي

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

تخطيط التعلمات: نموذج جذاذة في مادة اللغة العربية

إعلان خلاصات3

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

خلاصات أخرى

المشاركات الشائعة

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

ندوة وطنية بالرشيدية حول موضوع : أولويات المدرسة المغربية لتحقيق رهانات التنمية

جماليات التلقي من أجل تأويل النص الأدبي/الصديق الصادقي العماري

دعوة للمشاركة في تأليف كتاب جماعي تحت عنوان: " ديناميات وتحولات المجتمع المغربي "

إعلان خلاصات4

مشاركات

سوسيولوجيا السينما: الصورة والمجتمع

جماليات التلقي في فنون الأداء :المسرح والسينما نموذجا

إيقاعات التعلم وأنماطه: من الفروقات الفردية إلى تحقيق نفس الأهداف. الصديق الصادقي العماري

المقاربة بالكفايات ونظريات التعلم

أخطاء الممارسة المهنية، الفرق بين الجذاذة والبطاقة التقنية. الجزء الثاني

دعوة للمشاركة في كتاب جماعي في موضوع: "الثقافة الشعبية والتراث المحلي بالمغرب الواحي: إشكالات ومقاربات" تنسيق: د. عبد القادر محمدي

pub3